بعد أيام قليلة يكون قد مر على تأسيس المؤتمر الشعبي العام ثمانية وثلاثون عاماً من الحضور السياسي والعطاء والجهد والتضحيات، انتقل خلالها المؤتمر، من جبهة وطنية واسعة إلى حزب حاكم منفرد بالسلطة أو شريك أو معارض ومُلاحق. مرحلة من تاريخه ربما تحدث عنها المنصفون بقدر من الموضوعية حيث المؤتمر كائن اجتماعي وسياسي تخلَّق في ظروف شكلت تجربته الوطنية المميزة والفريدة، يصعب الإلمام بخارطة الحياة السياسية والديموقراطية وخصوصيتها في اليمن دون التوقف عند هذا الهرم الوطني الكبير. بداية ونحن نعيش الذكرى دعونا نترحم على شهداء المؤتمر، وفي المقدمة منهم مؤسسه ورئيسه الزعيم علي عبدالله صالح ورفيق دربه الأمين العام عارف الزوكا، الذين قضوا نحبهم في مواجهة الانقلاب الحوثي السلالي العنصري والتدخل الإيراني في اليمن، نترحم عليهم وننثر وروداً على قبورهم. كما نترحم على كل شهداء الوطن، شهداء الجمهورية والوحدة، كل الذين وهبوا حياتهم للدفاع عن الدولة واستعادتها، ومواجهة الانقلاب، راجين الشفاء للجرحى. كما نترحم على شهداء الأخوّة العربية في التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، ولا نستثني أحداً، الذين لبوا نداء الشرعية، شعوراً بالمسؤولية القومية تجاه إخوتهم في اليمن، وهم يواجهون أزمة الداخل اليمني، ونزعة التطرف والتوسع الإيراني في المنطقة. وتحية لكل الشرفاء في جبهات القتال، الصامدين على خطوط النار في مأرب والجوف والبيضاء وأبين ولحج والضالع وتعز والحديدة، جيشاً وطنياً ومقاومة. كما نحيي حملة المشروع الوطني الذائدين عن الجمهورية دولة اتحادية، ننشدها منقذاً لبلدنا وشعبنا، وحافظاً لهويتنا اليمنية. بعد ثمانية وثلاثون عاماً من العمل الوطني لم يعد المؤتمر ولا أي حزب وطني كما كان، هناك انتكاسة كبيرة حدثت في وطن سبتمبر وأكتوبر ومايو بفعل الانقلاب، فتأثرت بهذه الانتكاسة مؤسسات وأحزاب وقوى وطنية ومنها المؤتمر. لقد أدخل الحوثيون اليمن في نفق مظلم، تسببوا في كل هذه المآسي التي نعيشها يومياً، جاءوا من خلفية خرافية وتاريخية تجاوزها اليمنيون بالثورة وبناء النظام الجمهوري، لكنهم (اليمنيين) يواجهون صعوبات جمة في الحفاظ على قوة الدفع الثورية التي صاحبت ذلك التحول الكبير، ساعد على ذلك حجم التدخلات الخارجية. اليوم والمؤتمر بين داخل حزبي بظروفه، ملاحق مضطهد، وخارج منقسم على نفسه، ممزق بين العواصم، ليس من كلمة يمكننا قولها للمناضلين المؤتمريين الصامدين في الداخل وفي الجبهات وعلى كل المستويات القيادية منها والقاعدية سوى الدعوة للوحدة، في مواجهة الانقلاب الحوثي، والاختراق الإيراني للسيادة الوطنية. لا كرامة ولا وطن بدون الحرية، ولا حرية مع العنصرية الحوثية والسلالية المقيتة، ولا وحدة مع الإمامة، ولا جمهورية إن ضاعت الوحدة، ولا شرف يضاهي شرف الدفاع عن كل شبر من اليمن يتعرض للتهديد أياً كان مصدره، فإن كانت قضايا الوطن هذه في المؤتمر تهمنا جميعاً فلنبدأ بأنفسنا. علينا أن نمعن النظر فيما آلت إليه ظروفنا، فوالله ما انتصر الحوثيين على جهلهم وعنصريتهم، ونالت إيران منا ومن العرب فينا، إلا عندما انقسم المؤتمر فانقسمت معه مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، وتصدعت صفوف الجمهوريين، وخذلوا بعضهم البعض في لحظة من التحول العاصف وفقدان التوازن. كنا ولا زلنا ندعو جميع المؤتمريين للتلاحم والوحدة خلف الشرعية، أو على الأقل الكف عن هدمها، فلا شرعية غيرها، فهي اليوم عنوان الوحدة، فإذا انفرط عقدها قبل الوصول إلى سلام عادل وشامل، ولا سلام عادل دون مرجعياته، نكون بذلك قد استسلمنا للانقلاب وما ينتج عنه من ضرر كبير وكارثي علينا، وخطر شديد على أمتنا.