في الثامن عشر من ذي الحجة من كل عام منذ القرن الثاني الهجري يحتفل الشيعة بمايسموه يوم الولاية للإمام علي بن ابي طالب رضي الله عنه، ويعنون بها الولاية السياسية، أي تولي السلطة السياسية من بعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم، ويقولوا بأن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلّم قدأوصى بها للإمام علي كرم الله وجهه، ويعتقد الإمامية من الشيعة والجارودية من الزيدية بكفر الخلفاء الراشدين وعموم الصحابة رضي الله عنهم لأنهم خالفوا تلك الوصية،
وقد تتبعت هذا الأمر من مصادره التاريخية لدى السنة والشيعة ولمدة عام كامل أثناء تحضير رسالة الدكتوراة، فلم أجد لها أصل في كتاب الله تعالى أو في سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو حتى في سيرة ومسيرة الإمام علي كرم الله وجهه وكل ما يستند إليه الشيعة فيما ذهبوا إليه هو تفسير بعض الأيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية التي وردت في فضل الإمام علي ومكانته العالية الرفيعة في الإسلام، وذلك التأويل والتفسير لاينهض دليلا قاطعا على هذه المسألة على الإطلاق، بل إن سيرة ومسيرة الإمام علي تقول العكس تماما، فلو كانت له وصية من النبي صلى الله عليه وآله وسلّم بتولي السلطة من بعده لما بايع أبو بكر وعمر وعثمان رضوان الله عليهم أجمعين، ولو اقتضى ذلك الخروج المسلح عليهم وقتالهم كما فعل مع طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وعائشة رضوان الله عليهم، وكما فعل مع معاوية بن أبي سفيان ومن معه، وكذا مع الخوارج.
هذا من جانب ومن جانب آخر فلو كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم يريد أن يورث السلطة الزمنية للإمام علي كان صرح بذلك في خطبة الوداع وهو يرسي ماتبقى من دعائم الإسلام، والمسلمون حوله من أنحاء الجزيرة العربية أكثر من مائة ألف، ولن يؤجل هذا الأمر الهام والخطير إلى أن يصل إلى غدير خم بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، ولم يعد معه سوى أهل المدينة المنورة ومن جاورها، وهم لا يزيدوا عن إثنا عشر ألف شخص فقط؟ ! .
ومن جانب ثالث، ولو افترضنا جدلا أن الصحابة المهاجرين قد طمعوا في السلطة وحرمان الإمام علي منها ، فلماذا لم يبايعه الأنصار وذهبوا لمبايعة سعد بن عبادة، ثم بايعوا أبابكر ، وهل كانوا سيخالفون وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهم من آووه ونصروه حين خذله قومه وعصوه وآذوه ؟! .
إن الناظر للمسأل بعين التجرد من الهوى والتعصب الأعمى، والباحث عن الحقيقة المجردة، سوف يصل إلى نتيجة واحدة فقط، وهي أنه لم يكن هناك أي وصية للإمام علي، وأن مسألة السلطة وفلسفتها في الإسلام تقوم على الشورى والبيعة فقط، وليست حكرا لشخص أو أسرة أوعرق بعينه، وأن مايقوم به الشيعة ليس أكثر من تبريرات أوهن من بيت العنكبوت لتبرير الاستيلاء على السلطة والإستبداد بها ليس إلا.
*أستاذ القانون الدستوري والنظم السياسية
(نقلاً عن صفحة الكاتب على الفيس بوك)