في مأرب تحولت القبيلة إلى ملهم وطني ومثال لافت للحالة المدنية الفريدة، وتحولت البيئة البدوية النافرة إلى رديف للدولة وتجسيد للقانون لدرجة أصبح معها المجتمع أداة للنظام، في حالة تكامل عجيبة بين كل المكونات المجتمعية والحزبية وبين أخلاق القبيلة وقيم الدولة والنظام.
هذه التجربة الاستثنائية في مأرب، أعادت تعريف المثقف، من اعتباره شهادة أكاديمية وتجريب سياسي وقدرات خطابية أوكتابية وتفوق في كتابة قصيدة النثر والنقد المنفلت والمعارضة والتحزب والمدنية ، ومن كونه جغرافيا تحتكر النور والمعرفة ومنظمات مغلقة تفلسف الخواء وتسوق للأنانية والابتذال الحزبي والعجرفة المناطقية والانحراف السياسي؛
أقول أعادت تعريف المثقف من كون كل ما سبق وأكثر، ليصبح تعريفا واقعيا يختزل الانضباط القيمي والتوافق مع القانون العام؛ على أن المثقف هنا، هو ذلك المواطن البسيط الذي يقف للجندي في نقطة التفتيش بهدوء وطمأنينة وشعور بالامتنان غير مستجر لانتمائه المناطقي ولا القبلي ولا لولائه السياسي والديني، وهو تلك القبيلة الشرسة التي عاضدت الدولة في تنفيذ القانون والقرارات النافذة على أولادها دون أن تفتش في جيوب وملامح رجال الأمن والضبط عن بطائقهم الحزبية أو عنواينهم القروية ودون أن تستدعي الحساسيات السقيمة والحقد الأعمى.
لا شك أن تجربة مأرب مثيرة للاهتمام، خصوصا عند مقارنتها بتجارب صادمة طالما انخدعنا ببهرجها واعتبرناها الموطن الأول والأصلي للنور، والحاضنة الأبدية للشمس والقمر والنجوم والسنابل.
إن المثقف موقف، والمدنية واقع عملي وليس بصيرة أرض مملوكة لحزب أو منطقة، هكذا تقول مأرب.