مالي بها جهد، فأنت سكبتها
بدمي، وأنت بمهجتي أودعتها
أبعدتني عن أمةٍ أنا صوتها
العالي، فلو ضيعتني ضيعتُها
حملتني آلامها ودموعها
ومنعتني عن وصلها ومنعتها
ناديت أشتات الجراح بأمتي
فجمعتُها في أضلعي وطبعتُها
(من مات فهو شهيد، ومن عاش فهو عتيق).
حلت مجاعة عظيمة في اليمن أيام الإمام الهاشمي الطاغية يحيى، إلى درجة أن الناس اضطرت إلى أكل القطط والكلاب، بينما كانت خزائن الدولة مملوءة بالحبوب والغلال. ذهب الناس إلى الإمام يطلبون النجدة من الهلاك، لكن الحاكم الطاغية صعر للناس خده، ثم قال كلمته المشهورة:
(من مات فهو شهيد، ومن عاش فهو عتيق).
من الواجب علينا أن نفرق دائما وبصورة واضحة بين الوعي وبين الإحساس، بين الواقع المحلي المرير وبين المؤامرة.
فالوعي موقف ذهني صادق مبني على شواهد ويقينيات واقعية ملموسة، يقودك إلى التفريق بينها وبين الوهم والخيال.
وحين يعرف الإنسان موضعه من خارطة الأحداث يستبين لها بعدها الطريق، ويحسن التموقع في المكان والزمان المناسبين لمجابهتها، أما الإحساس بالمؤامرة فهو وهم يقذف بالإنسان إلى فراغ الواقع، ويطرحه خارج حلبة الأحداث، فيتبرأ صاحبه بعدها من كل مسؤولية، ويخلي نفسه من أي إلتزام نحو تغيير المشهد، والإمساك بخطام الأحداث، لأنه يكون قد ألقى باللائمة على العدو الخارجي الموهوم.
الحكام المتوكليون (الإمامة) كان هدفهم محدد وواضح، وهو الإستمرار في إرهاق الجماهير اليمنية باستخدامهم سياسة ذات ثلاث رؤوس: التجويع والقمع والتجهيل، لتستقيم لهم الأمور، ويرضخ لهم الشعب على مبدأ الدِّم (القط) يحب خناقه. هذه السياسة المتبعة لم تكن عن جهل منهم، أو عن جمود فكري ديني، بل كانوا على دراية كاملة بما يفعلون، وعلى مستوى ثقافة علمية عقدية كبيرة جدا، فهم جميعهم خريجوا مدارس شيعية عميقة تشبه جامعات اليوم، وكان الدارسون فيها يتخرجون علماء في العقيدة الهادوية الزيدية، وأدباء فطاحلة في كتابة الشعر والنثر والقصة، ونقاداً كبارا، وعلماء في قواعد اللغة العربية. لكن استمراريتهم في هذه السياسات الغاشمة الطاغية ضد الشعب كانت ثمرة الأنانية والشعور الإستعلائي ضد جماهير شعبنا اليمني الذي ينتمي أغلبه إلى المذهب الشافعي.
وكما تعلمون كانت تلك مرحلة الاستعمار الغربي للدول العربية، وما من دولة عربية إلا ودخلها الإحتلال. ولتأكيد وتأمين سطوتهم على الدولة وعلى مقاليد الحكم في أيديهم فقد جلبوا الإستعمار البريطاتي للجنوب، وتقاسموا الأرض اليمنية بينهما، الشمال للإمامة الكهنوتية، والجنوب للمحتل البريطاني، وكل يحمي ظهر الآخر، شيلني وأشيلك، لذلك كنا نرى أحيانًا مناوشات بين الإمام في الشمال والمحتل البريطاني في الجنوب، كانا يفتعلانها بغرض ذر الرماد على العيون، ليظهر أمام الشعب العاطفي المسكين بأنه المدافع عن الحمى، وحامي حمى بيضة الإسلام. فالإستعمار في الحقيقة هو من يخترع تلك الأحداث معه، كي يخففواغضبة الجماهير على طغيان الحكام، وينفسوا عنهم الاحتقان الشعبي، وهي سياسة عامة استخدمت في كل الأقطار المحتلة، فيظهر الحكام الأقزام في صورة عمالقة ثوار.
هذه السياسات الإمامية الظالمة كانت تحقق لهم الأهداف التالي:
١- السطوة والسيطرة على الدولة ومقدراتها لأطول زمن ممكن،
٢- إشباع النقص النفسي المنحط لديهم بالإستعلاء على الجماهير اليمنية الشافعية.
٣- الإستئثار بالتعليم والثقافة في سلالتهم العفنة، وحرمان بقية المواطنين منها.
٤- عزل الشعب والوطن اليمني برمته عن بعده العربي والإسلامي. عزلة غاشمة كاملة: حصارعلمي ثقافي رياضي.
إنها رجعية الفكر الإمامي المستبد الغاشم.
والرجعية والإستعمار صنوان لا يفترقان، أو أنهما وجهان لعملة واحدة، فالمحلي عميل خائن، والأجنبي محتل.. وكلاهما مدمر للأوطان والشعوب، و متكاملان في إدارة المنطقة.
وبعد محاولات ثورية انقلابية عديدة فشلت بفضل الجيران والعرب عملاء الأجنبي، نجحت أخيرا ثورة الأحرار، ثورة الشعب اليمني في السادس والعشرين من سبتمبر عام ١٩٦٢، ووضعت حدًا للحكم الإمامي البغيض كسلطة علنية واقعية..
لكنها لم تكتمل، فقد أبي الجيران إلا أن يستمر الدمار في الوطن اليمني، لأن نهوضه يعني نهايتهم، لذلك فهم يستميتون في إبقاء الشعب اليمني تحت الإحتلال الهاشمي.
فكان نتيجة ذلك أن التفوا على الثورة والثوار، وأعادوا الهاشميين إلى السلطة تحت مسمى الجمهورية الجديدة.
وهاهو التاريخ يعيد نفسه! وها نحن بغدر الجيران نقاسي الأمرين، ونتجرع الويلات والموت أنفاسا.
فلابد من الخروج من صمت الموتى، و غمغمة وخنين رجال الدين، و غمغمة المثقفين. فلا تدعوا اليأس يقتلكم، ولا الصبر يفنيكم!
خرجنا من السجن شم الأنوف
كما تخرج الأسد من غابها
ونمضي على شفرات السيوف
ونأتي المنية من بابها
ونأبى الحياة إذا دنست
بعسف الطغاة وإرهابها
ونعلم أن القضا واقعٌ
وأن الأمور بأسبابها
ستعلم أمتنا أننا
ركبنا الخطوب حناناً بها
فإن نحن فزنا فيا طالما
تذل الصعاب لطلابها
وإن نلقَ حتفاً فيا حبذا
المنايا تجيء لخطابها
فيا ملكاً لج في بطشه
وداس البلاد وأخنى بها
ودبَّ لأمته في الظلام
دبيب اللصوص لأسبابها
وذرَّ الغبار بأجفانها
وصب السموم بأعصابها
وما الأرض إلا لنا وحدنا
ولكنهم غالطونا بها
ألم تخش من أمة أصبحت
إليك تكشر من نابها
وتزأر غضبى زئير الأسود
وأنت الملوم بإغضابها!
(كل الأبيات للثائر الشهيد محمد محمود الزبيري)