يمن جديد يتخلّق: لماذا لا نجد صداها في الإعلام العالمي، أو في إعلام الأجندات وتجار الحقائب السياسية، كما هو حال قناة «الجزيرة» وأخواتها؟
فيما يخص الإعلام العالمي، مفهوم ومبرَّر أن تغطيات الحرب عادة ما ترصد الظواهر السلبية والكوارث الإنسانية، وهي تستحق ذلك، لكنها حين تعزلها عن المسبب، لا عن آليات التغيير التي دشنتها «عاصفة الحزم» التي سيحمدها اليمنيون طويلاً حين تؤتي أُكلها؛ فإنها تنتج قصصاً مبتورة ومشوهة، ومع أكاذيب إعلام الأجندات يصبح الأمر تزييفاً للحقائق التي للأسف تتطلب إعلاماً مضاداً يوضح ما يجري بخطاب مضاد تفصيلي يفند تلك الادعاءات. الادعاءات هي نتائج لمقدمات مغلوطة، لذلك لا يمكن لها إلا أن تمعن في المغالطة السياسية، وإن تلبست لبوس التحليل على طريقة «الجزيرة» وضيوفها. فميليشيا الحوثي استولت على مقدرات الدولة السياسية والاقتصادية؛ تحالفت مع صالح و«المؤتمر»، ثم ابتلعتهما بالقتل والتهديد والسجن، كما استولت على أكثر من 8 مليارات دولار من خزينة الدولة المتمثلة في البنك المركزي.
وعلى مستوى المؤسسات ابتلعت الميليشيا مفاصل تاريخ النظام السابق، واستثمرت في ابتلاع ولائه السياسي، وحالة الفراغ التي سببها اندحار حزب «المؤتمر الشعبي»، الذي كان يمثل الحاضنة السياسية للفاعلية السياسية في اليمن، كما أنَّها استفادت من تناقضات المجتمع الدولي والمؤسسات الكبرى في توصيف ومقاربة الحالة اليمنية التي تم النظر إليها من زاوية حالة التردي والانهيار الاقتصادي والمؤسساتي، وتضخم حضور العنف والأطراف المسلحة على حساب الانتصار للشرعية اليمنية التي ساهم للمفارقة حتى الحوثيون في دعمها وتكريسها كواقع سياسي يتجاوز سطوة «حزب المؤتمر» والرئيس صالح، وذلك قبل تحولهم من طرف سياسي إلى ميليشيا مسلحة منحازة وتابعة لملالي طهران وحزب الأزمات وإعلام الفتنة، واستهداف السعودية، الذي تتولى كبره قناة «الجزيرة» القطرية؛ آخر أسلحة النظام السياسي الذي تضاءل حضوره ما بعد قرار المقاطعة الذي مثل خياراً وجودياً في سعي دول الخليج والاعتدال العربي بدعم الجهود الدولية في مكافحة الإرهاب والعنف والتنظيمات المسلحة، التي صعدت بشكل هستيري.
الادعاءات الموجهة ضد التحالف في مواجهة ذراع ملالي طهران النشط بعد انحسار تأثير أذرعها العسكرية ووكلائها؛ في العراق ميليشيات «الحشد الشعبي»، وفي لبنان «حزب الله»، هي ادعاءات في مجملها تتحدث عن طول أمد الحرب في اليمن، وتأثيرات ذلك على الأوضاع، لكنها تتجاهل أن الدور الأساسي في تأزيم الحالة اليمينية مرتبط أساساً بميليشيا الحوثي، التي عمقت فجوة عميقة متمثلة في انهيار مؤسسات الدولة اليمنية ما بعد الانقلاب على الشرعية، وحولت المناطق التي تسيطر عليها إلى ما يشبه مناطق التوتر الفوضوية التي كانت تسيطر عليها تنظيمات إرهابية مشابهة؛ «داعش» و«القاعدة» وأخواتها، مع فارق استفادتها من دعم وتسلح وخبرة نظام طهران في مشروع تصدير الثورة وخلق كيانات تتلبس حالة الدولة داخل الدولة، وهو ما ساهم في استيلاء ميليشيا الحوثي على مقدرات الدولة السياسية والاقتصادية، والسيطرة عليها بأدوات الإرغام والعنف المتمثل في القتل والتهديد والسجن.
«عاصفة الحزم»، التي تتعالى الأصوات المتحيّزة والمنحازة لمقاربة غير واقعية أو دقيقة للملف اليمني، بنقدها وتجريمها، كانت أهم أطواق النجاة ضد اختطاف هويّة اليمن وتاريخه من قبل مشروع احتلال لملالي طهران من خلال الاستثمار في الطائفية ومشروع تصدير الثورة، واستغلال حالة التثوير في الزيدية التقليدية التي أسستها الجماعة الحوثية كمشروع هيمنة ثقافية ودينية قبل أن تتحول إلى مشروع سياسي، ثم لاحقاً مع تردي الأوضاع إلى واقع ميليشياوي صلف مضاد لخيارات الشعب اليمني، التي ادّعى الحوثيون أيام الساحات والخروج على صالح أنهم معها، في حين أنهم كانوا قادرين بما يملكونه وقتذاك من أوراق تفاوضية وثقة باقي الأطراف السياسية في المشهد اليمني على الانحياز لخيار الشعب اليمني، الذي كان أبعد ما يكون عن أي توجهات وانحيازات طائفية.
الحالة اليمنية اليوم في غاية التعقيد، بسبب الارتباك في فهمها وتوصيفها بشكل دقيق ما بين التساهل مع ممارسات الميليشيا الحوثية الانقلابية، وعجز الشرعية عن إيصال صوتها بشكل فعال للمؤسسات الدولية، إضافة إلى تردي حالة النخب السياسية اليمنية التي تعاني كغيرها، حسب تشخيص العديد من المحللين لحالة الحراك السياسي ما بعد «الربيع العربي» من حالة موات وموت سريري على مستوى التأثير والفاعلية على تنويعات المكونات الاجتماعية في الداخل، وولاءاتها المعقدة، والمرتبكة، ما بعد النظام السابق الذي كان يمسك بزمام الأمر، رغم تلبسه ظاهرياً بشكلانية ديمقراطية.
*كاتب سعودي ( نقلاً عن الشرق الأوسط)