لم يثنِ إهمال الحرب اليمنية الدامية وتجاهل عدالتها، متسلقي الجبال على الحبال شوقاً وحنيناً إلى عاصمتهم المحتلة لأن قضيتهم عادلة، لم يرخِ أجسادهم التخدير المتعمد من قبل بعض القوى لأن حقهم في العيش الكريم على أرضهم منتهك، لم يناموا على قضيتهم لأن حنينهم إلى صنعاء تحت أجفانهم لا ينام، وإن أغفت أعينهم حيناً فهم على صخورها واقفين، لا يتأوهون وإن أكلت أقدمهم ضروس تلك الجبال لأن عشق الوطن خدَّرهم فأنساهم ألم الجراح، تغلَّب دفئ الوطن على برودة الشتاء القارس نشَّفت أجسادهم وأبقت على أرواحهم مشتعلة كأنها شهبٍ قذفتها السماء في فضاء اليمن. ليس للهزيمة في قلوبهم مكان وإن خذلهم العالم بأسره، لأنهم قد عزموا وتوكلوا على الذي ينصر الواثق به إذا صدق وقد صدقوا، حربٌ وصبر ونشوة رغم المعاناة وشحة الإمكانيات وقلة العدة والعتاد، قوَّتهم انفجار روحي من الداخل شكلته الأحداث التي قوضت الدولة وتحاول إطفاء شعلة الثورة والجمهورية، هم يقاتلون على ذواتهم ووجودهم على أرضهم الأزلية منذ أن شعت العيون على البسيطة. غير أنه لابد من يقظة وسائل الأمن والحيطة والحذر لذلك كله ما لم ستذهب به الأنفس المريضة مع الريح وستأكل ديدان أرواحهم كل خيط في علم الجمهورية حاكوه من نسيج أرواحهم حبكوه ومن ضوء الشمس صبغوه وأوقدوا في حناياه مشاعل الحرية والإباء، الركون إلى أنصاف المؤمنين بتلك القيم مهدد وجودي لها، لم تتعرض الثورة والجمهورية لطعناتٍ كما تعرضت لغدر الأنصاف والأرباع والأصفار الهامشية التي تسلَّقت جدران سفينة الثورة حتى اعتلتها. لابد للقوة الأمنية والعسكرية الحازمة في مأرب وأنحاء الجمهورية المحررة من وثوب وثبات في وجوه أولئك ومن تناسخ منهم وانتشر، حتى تصبح الدواء والمناعة لكل اعتلال يهدد الأمن والاستقرار، ولا بد من تطبيق الأحكام الجزائية الصارمة التي تنفذ بحق الخونة والعملاء في كل حالات الحروب وهي أحكام عادلة وفقاً لكل القوانين الإلهية والوضعية. لا توجد حروب حدثت على الأرض دون خيانات عبر تاريخ الصراعات الطويلة بين الأمم غير أنها تُقابل بالردع والحزم وتُنفذ أقصى العقوبات بحق مرتكبيها لأن نتائجها ضياع الأمة وانكسارها وليس مصير فردٍ أو جماعة أو طائفة دينية أو أيديولوجية يراد لها الانكسار. تَشَفي الأطراف الجمهورية بانتكاسات بعضها البعض على أيدي أعدائهم جميعاً تكراراً غبياً لأحداث ما قبل احتلال العاصمة صنعاء، والتي كان يجب أن تكون درساً قاسياً يستحيل تكراره بكل السبل. معادلات الخيانات تُنبني في العادة على المصلحة والانتهازية والغباء، المصلحة التي تحمل صاحبها على تحمل خزيها في أعين الأجيال المتلاحقة، والانتهازية سلوك سيء يقوم على استغلال جميع الوسائل لتحقيق مصلحة فردية على حساب المصالح الكلية للمجتمع، أما الغباء فهو الجينات الكارثية التي تعصف بكل مجتمع لم يتحصن من كوارثه. كل ذلك يتجلى في خيانة أولئك للوطن وهدم الصف الجمهوري الحامل لمعضلة استعادة الدولة من الداخل، ومصادرة حقوق الشعب المكتسبة، ومن ثم التراخي عن تلك العناصر وإطلاق العنان لها لن يكتشف الجريمة قبل وقوعها حينها لن ينفع الندم ولن تعود العجلة إلى الوراء إلا بقَدَرٍ إلهي بعيد المنال.