الإهداء إلى شبوة .. الوطن الذي لايضيق بأحد، البلاد لا تسأل الناس من انتم؟ ثمة كتابات صعبة لايدري كاتبها من أين يبدأ ؟ امن بداية القول ام نهايته؟ والكتابة عن وطن كبير بحجم "شبوة" تضيع معه الأحرف والكلمات .. كانت الساعة السابعة مساء حينما وصلت إلى مدينة عتق مساء الأحد ،وضعت حقائبي في صالة الفندق وبعد دقائق قليلة كنت أجوب شوارع المدينة . وسط سوق عتيق لبيع الجنابي بمدينة عتق توقفت عند بائع الجنابي اليمنية... كان البائع رجلا في العقد الرابع من عمره يتحدث اللهجة الشبوانية بطلاقه.. سألته: "الأخ شبواني؟ ضحك وقال:" لا من ريمة لكنني أعيش هنا منذ 17 عام. سألته: " ألا تتعرضون للاعتداء أو التمييز..!؟ لفت لي بنظرة حادة وكأنه استغرب سؤالي ورد قائلاً: " الناس هنا تردها أصولها لاتكن تسأل مثل هذه الأسئلة لكي لايضحك الناس عليك، من أين أتيت؟. كانت هذه الإجابة كافية لإدراك حجم تغير المكان والناس. في الطريق إلى شبوة صباح الأحد انطلاقا من عدن جالت بخاطري الكثير من الأسئلة كيف ستبدو المحافظة التي غيرت وجه اليمن مؤخرا وبعثرت رقعة الشطرنج معلنة عن خارطة جديدة يصنع الشبوانيون ملامحها ويتحكمون في صعودها ونزولها؟. لعقود طويلة ظلت "شبوة" على هامش الخارطة السياسية اليمنية وان تصدرت فإن عناوين الموت والاقتتال القبلية والصراعات التي لايٌفهم منها شيء هي مايعرفه الناس عن "شبوة". على كبر وأهمية "شبوة" ألا أنها ظلت على الهامش حتى حدث شيء غير مفهوم خلال الأشهر الماضية دفع "شبوة" إلى الواجهة قيادة وقوة وساسة وحضورا . خلط "الشبوانيين" الأوراق وقالوا :" نحن هنا وبدلا من ان تكون "صنعاء" وعدن هما من يقودان حركة التغيير في شبوة قادت "عتق" ولأول مرة في تاريخ اليمن أنصت الجميع لما سيأتي من هناك وماذا سيقوله القوم . في شبوة لن تجد من يأخذ حقك أو يصادره ولن تجد من يسألك من أين أنت ؟ يتعايش اليمنيون ويتاجرون ويمضون يومهم على الأرصفة بلا سؤال .. من أين انتم؟ يتملك مواطنون من محافظات الشمال والشرق قطاع تجاري كبير في "عتق" لكن أيا من هؤلاء لم يشكو قط نهبا أو اعتداءا . يضع الناس أياديهم على ذقونهم حينما تسألهم عن وضع أبناء المحافظات الأخرى في شبوة باشارة "اللوم" لسؤالك هذا . تتذكر عبارات ابن محافظات "ريمة" .. لدى الناس الكثير من الأصل الذي يمنعهم عن ارتكاب أي سوء أو حماقة .. في مقهى صغير وسط المدينة يعرفه الناس بمقهى "قائد" وقائد هذا من تعز . اتخذنا موقعا وسطا انا وزميلي علي سالم بن يحيى وابنه وصديقه . سألتهم :" مع من تقف الناس في شبوة اليوم ؟ كانت الإجابة واحدة وموحدة :" من يوفر لها الأمن والدولة والخدمات . كررت السؤال كثيرا على عشرات الأشخاص الذين التقيتهم لاحقا كانت الإجابات متشابهة. ثمة شعور شعبي ضخم في شبوة ان زمن الشعارات "ولى". في شبوة وشوارعها فتشت عن "أهل طعيمان" ومأرب فلم أجد ، كنت أتوقف عند النقاط وأترجل واسأل الجنود عن هوياتهم . وتأتي الإجابات.. نسي – عولقي – بارحمة- دياني – هلالي – خليفي – الكثير من الأسماء والألقاب. يصنع "الإعلام" الكثير من الأشياء الزائفة ويصدقها "الحمقى" .. في منزله وسط "عتق" استقبلنا محافظ شبوة "محمد صالح بن عديو" البدوي القادم من أقصى الجنوب الشرقي لشبوة . سألته :" إلى أين تمضي شبوة؟ قال :" قطعنا طريقنا ولن نتراجع.. يملك الرجل في "شبوة" حضورا شعبيا كبيرا ، الرجل واحد من أفضل حالات الإنصاف التي طالت شبوة خلال السنوات الماضية . حكى لي الرجل تفاصيل ساعات عصيبة عاشتها شبوة خلال أحداث أغسطس الأخيرة وكيف حٌوصر منزله وكيف فرضت الشروط المذلة والمهينة بحقه وبحق قيادات الجيش والأمن وكيف تغيرت المعادلة لاحقا . قال :" لكننا لم ننتقم من احد ولم نزج بأحد من أبناء شبوة في أي سجن ولن نفعل ، لم يضيعنا ألا لغة الانتقام هذه. في مجلسه شاهدت الكثير من قيادات الحراك والمؤتمر والأحزاب الأخرى . من الأشياء المبهرة في شبوة ان الناس تخلت عن السلاح طواعية وتوجهت إلى أمور أخرى أكثر أهمية . ذٌهلت وانا أشاهد الآلاف من أبناء المحافظة وهم يتزاحمون لحضور فعالية شعرية في ساعات المساء . دخل الآلاف القاعة وتزاحم المئات في خارجها. بدأ المشهد مثاليا .. قلت لزميلي علي سالم :" رميتم السلاح وحملناه في عدن وتوجهتم للأدب والثقافة ووجهونا لغيرها .. يجاهد "محمد سالم الاحمدي" بقدرات خارقة لاعادة تشكيل المشهد الثقافي في شبوة. جُهد هذا الرجل خرافي لديه فريق من الشباب لايضاهى ولا يٌقارن. نجح الرجل في تحويل شبوة الى مركز الثقافة الاول على مستوى اليمن. ذات يوم كانت صنعاء وعدن تتصدران مشهد الثقافة الا ان "عتق" مؤخرا توسدت المشهد ومددت اكفها قبل الجميع. في المدينة التي كان الناس يطاردون بعضهم للأخذ بثار عمره 1500 عام بات الناس "يلقون شعرا وادبا وثقافة وتعرض فتاة شابة "اسمها اصالة معرضا للفن التشكيلي وتحدث القوم عن الرسم الحر" ويتنافس الجميع لتقديم كل ماهو جميل في مديرياتهم. في شبوة ثمة محبة كبيرة لقوات النخبة الشبوانية ، الجهاز ألامني الذي سجل حضورا طيبا في وجدان الناس . وجدت النخبة لسنوات في شبوة وحينما انحلت ظل حضورها حاضرا في وجدان القطاع الأكبر من الناس. تعمل كافة مؤسسات الدولة بطاقة كاملة في شبوة اليوم من الامن الى القضاء الى السلطة المحلية وكافة الوزارات الاخرى وليس من حضور لاي قوة سوى قوة الدولة ومؤسساتها. مشاعر "الانفصال" في شبوة تذوي كحالها في محافظات جنوبية أخرى ، يؤمن الناس بحقوقهم لكنهم باتوا على اقتناع ان الانفصال اٌفرغ من محتواه . قلت :" لعماد علي سالم ونحن نمضي بشارع درهم :" انا صحفي ويهمني ان اعرف الحقيقة .. هل تزدهر مشاعر الانفصال أم تتراجع ..؟ قال :" للحقيقة تتراجع تحت وطأة ماحدث خلال السنوات الماضية من أخطاء. المؤتمر الشعبي العام هو واحد من اكبر الأحزاب شعبية في "شبوة" ، تعكس المحبة الكبيرة للمؤتمر وقياداته ورجاله ثمة مكنون شبواني خاص للجمهورية . في شبوة حالة ترحيب الناس بضيوفها لاتضاهى كبيرة مبهجة وعظيمة وتدل على عظمة النفوس وانفتها وتواضعها و لكثر ماتسمع من عبارات ترحيب تشعر وكأن الناس تكاد ان تحمل ضيوفها على الأكتاف. في شبوة يدعوك الناس ومن على قارعة الطريق ان تكون ضيفا بمنازلهم على تواضعها وفقرها وغناها. "ملى بوها كلها" شعارهم الدائم مع العابرين ، المرتحلين، الاصدقاء وغير الاصدقاء وعلى الحاصل . يكفي "شبوة" انها صارت المتحكمة بكل "اليمن" فما سيقوله ابنائه سيحدد مصير الوطن كله. مدد "الشبوانيون" حضورهم على طول اليمن وعرضها اليوم وخنعت "عدن" وتدلت صنعاء لصنيعهم .. هذا هو موقعهم الحقيقي والصحيح .. شبوة في المقدمة ولا مكان لها الا هذا. على طول طريق طويلة يسير "الشبوانيين" اليوم والطريق مليئة بالورود والاماني والتطلعات والاشواك ايضا. الاشواك .. نعم الاشواك.. هي طريق طويلة لكنني اثق انهم سيصلون ... فتحي بن لزرق 21 يناير 2020