وسط اضطرابات الحرب تتضاعف مسؤولية الإعلام ليختار معاركه بعناية، ويصبح مطالبا أكثر من أي وقت بعدم فقدان حسه الاستقصائي وعقله الذي يمنعه أن يخدع، لتجنب إطلاق النيران الصديقة، وتفادي التماهي مع خطاب من يقاتله.
عادة ما تتسبب الخسائر البشرية بموجة ألم واسعة، قد تصل إلى مرحلة التذمر العام، ومع حدث كهذا يكون من حق الجميع معرفة الحقيقة، والاطلاع على مدى إسهام التقصير الداخلي فيما جرى.
لكن ما هو غير اعتيادي أن يقع الإعلام في فخاخ التفكير الاتهامي المتعجل والمتأثر بصدمة الخسارة ومشاعر النقمة التي تعقبها، وينسى أن اشتراطات المهنة تفرض على الإعلامي الاشتغال على المعلومة وتقصي الحقيقة قبل أي شيء.
يحدث أن تتعرض دولة ما لخسارة بشرية موجعة، لكن ما هو مختلف هنا أن إعلامها لا يسارع لارتداء قبعة القاضي وإصدار الأحكام الفورية، بل يطالب بتوضيح ما جرى، وإن كان توضيح الجهة المعنية غير مقنع، يدعو لتشكل لجنة لتقصي الحقيقة.
ليس هذا الطرح في وارد تبرير الأخطاء والدفاع عن المقصرين، بقدر ما يذكر بالإعلام كمهنة لها قواعد واشتراطات، ويدافع عن الحقيقة في ظل حرب تهدد وجود اليمن والخليج على نحو بالغ الخطورة. وحدها الحقيقة من ينتصر للضحايا، لا خطاب "الصدمة" المشحون بمشاعر الغضب وتوزيع التهم على الحليف قبل العدو.
في ظروف الحروب والصراعات يمكن للحقيقة أن يتأخر ظهورها، لكنها قد تقلب الطاولة، كأن تجعل البعض يدرك ولو متأخرا أن لا عدو لليمن والسعودية سوى الحوثي المدعوم من طهران، وأن أكبر حلفائه هو من يشكل أكبر خطر عليه بعد إيران، بتخادمه منذ البداية مع الانقلابيين.
غالبا ما يبدو الإعلام المتعجل الذي يفترض السبب والمسبب والنتيجة ثم يباشر إطلاق النيران الصديقة، وكأنه يقول للناس إنهم يصارعوا من أجل شيء لا يمكن بلوغه. في حين أن الشعوب الواعية قد تخسر المعارك لكنها تربح الحروب.
في النهاية يظل الإعلام المحسوب على طرف ما في الحرب موجها، لكن أسوأ الأخطاء التي يمارسها عندما يقدم نفسه بصورة تعجز معها عن التفريق بينه وبين ما يقوله إعلام العدو.