لا ينكر أحد بأن غالبية الشعب اليمني بكل تكويناته السياسية والاجتماعية يقف مع الشرعية مدركا أهميتها باللحظة الراهنة، برغم غصة الظروف التي تعيشها ومحنة المعاناة التي تواجهها في الداخل والخارج، وثمة إيمانٌ عميق عند كثير من المراقبين السياسيين بأن رئاسة الدولة والشعب اليمني ككل لديه من النضج ما يؤهله إلى الانتصار على كل الصيحات والصرخات النشاز المتعالية ضده في الداخل وفي محيطه الإقليمي لولا المعيقات الصلبة والناعمة.
كما إن لديه قدر فائض من الكوادر السياسية والعسكرية والاقتصادية تفوق مطلبه شعباً وجغرافية وموقعا استراتيجيا جاذبا لمطامع وحقد الأقربين منها، المشدودة إلينا من وراء البحار أنظارهم، وموقنٌ بأن تحقيق النصر على كل انتهازي يأكل حشاشته في الداخل أو طامع يرقب خيراته قادمٌ لا محالة.
هناك حقيقة ثابته لدى كثير من المراقبين بأن اليمن باتت ذلك المارد الذي يجب عزله عن أدوات عزه ونزع الأدوات التي تمكنه من البروز كقوة اقتصادية ودولة اتحادية ناجحة تشكل نموذجاً ديموقراطياً جاذباً لأنظار الشعوب المتخمة بالبذخ الفاصل بين العقل الديناميكي والجسد المقيد. وقد تَمثّلَ ذلك بالتدخلات اللامحدودة قبل الحرب الراهنة وأثناءها، واستغلال كل ظرف متاح وداعماً لكل طرف تستوحي منه الانقياد لها وينفذ أهدافها بعيداً عن طموحات شعب اليمن العريق، كي يبقى ذلك النموذج السيء في جنوب الجزيرة كي تضرب به الأمثال عند كل معطف سياسي يهدد وجودها أو مطلب شعبي يطرق أبواب المطالبة بالشراكة السياسية والاقتصادية تماثلاً مع باقي شعوب العالم الحر.
ورغم ذلك لا يستطيع أحد حجب شمس حقيقة أن اليمن لديه من الموروث الثقافي والحضاري الذي يؤهله للنهوض والانطلاق، خاصة وأن المساهمة الفاعلة في نشر الاسلام وترسيخ قواعد دول الخلافات الاسلامية التي امتدت من بلاد الرافدين شرقاً وحتى قلاع الأندلس غرباً التي لا زالت ماثلة للعيان وتسمى بأسماء القبائل اليمنية وقادة جيوشها حتى اليوم، وتلك المنقصة التي يعاني منها البعض فانعكست على اليمن ويلاتٍ وثبور.
هذه الأصالة برزت في ظلمات الحرب وأهوالها، شباب يمني بسيقانهم الفولاذية صنعتها جبال اليمن سطروا الفوز تلو الآخر على الفرق الرياضية التي تعيش في أحضان الترف ولم ينقصها من أسباب التفوق إلا النصر، وصنعوا الفرحة في أعين الحزانى اليمنيين وغرسوا الهزيمة المرة في قلوب المترفين مالاً واستقراراً.
كذلك فإن الحرب الضروس التي يخوضها الشعب اليمني على أرضه في شتى جبهاته الداخلية، مع بعضه وضد غيره، أثبتت هي الأخرى عراقة الشعب الذي لا يُفل له سِنان ولا تُكسر له إرادة مهما شوهته أهداف الرؤوس الدخيلة والعميلة تجار الحروب وصانعي حرائق الصراع، وتلك حقيقة آمن بها أولئك بأنه لا بد من بقاء المارد مكبلاً في قيوده كشيخٍ منهكٍ ومن حوله يحوم ويتلوى اللصوص.