ليس بمقدور أي قوة انتزاع جذور الفساد الذي زرعه نظام ما، أخذ عقوداً في التغول وسلب إرادات وعقول الرجال بيسرٍ وسهولة، والذي أصبح مع طول الممارسة ثقافة تمارس بعنف حد تباهي المفسد بما يُفسد ومجاهرة المجرم بارتكاب جرائمه. لأنه كما قيل "من أمن العقوبةَ أساء الأدب" المثل الذي يؤكد النزعة البشرية السائدة في كافة المجتمعات في ضل غياب الدولة وتطبيق مبدأ القانون الذي جوهره عقاب المسيء ومكافأة المحسن حتى على السفارات وطواقمها الإدارية والدبلوماسية. ذلك في الأوضاع الطبيعية في أي بلد، أما اليمن فشأنها في الظروف التي تمر بها آخر كلية. ثورةٌ أطاحت بنظام كان يشعل حرباً بتلفون وينهيها باتصالٍ هاتفي ذهب نصفه بيد أنه عاد من النافذة لينتقم من شعبه وخصومه عن طريق العصابات التي أساحت آخر قطرة من دمه كي تستفرد هي بالحكم، وتبقى نصفه الآخر شريكاً في مفاصل الدولة بثقافته التي أسلفنا ذكرها بعيداً عن أهداف الثورة وتطلعات المجتمع. تسرب الكثير من عناصر النصف الآخر بثقافة والوساطة والاتصال إلى السلك الدبلوماسي اليمني بالمخالفة لقواعد وأحكام القانون الدبلوماسي الذي يشترط فيمن يتقدم أو يرشح للعمل في السلك الدبلوماسي القدرة والكفاءة والنزاهة وإجادة اللغة الإنجليزية باعتبارها لغة الدبلوماسية المشتركة حول العالم. ثقافة العُرف والتدخل بالتلفون في حل قضايا ونزاعات أبناء الجاليات اليمنية في الخارج تلوي أعناق القانون وتلقيه جانباً، وتطلق يد المسيء وتفتح مكاتبها للحوار مع المفسد وكأنها مشيخة تمثل قبيلة أو غابة لا يحكمها قانون، انعكاساً قاسياً لما جرى بالأمس ويجري اليوم على أرض الوطن الجريح. عَجزْ الموظف الدبلوماسي في اتخاذ القرار لحماية المواطن زاد من إطالة حبال المفسدين الذين لا ينهشون سمعة المجتمع اليمني في الخارج فحسب وإنما تمتد إلى أعماق الدولة المضيفة التي تبني من خلالها قواعد تعاملاتها مع سفارة الدول سلباً وإيجاب وفقاً لإيقاعات التعامل الرسمي والسلوك الفردي لأبناء الجالية وانضباطها بقوانين البلد المضيف. فلترة الجاليات الأجنبية من شوائب ومعايب سلوكيات أبنائها من مهام السفارات ولنا أمثلة حية تدار من خلال سفارات الدول الأجنبية الأخرى، حيث لا يتم التحفظ على مسيء أو مرتكب جريمة من قِبل فرد من أفراد أي بلد إلا ورأيت السفارة تهب بقضها ومحاميها وثقلها للحفاظ على سمعتها ورتق الفُتق قبل أن يتسع ويصل إلى حد تشويه السمعة والنيل من سمعة البلد. الدعممة التي يتخذها بعض المعنيين في سفارات اليمن والتحجج بقوانين البلد المضيف ما هو إلا عجز إداري ودبلوماسي في حل القضايا قبل وصولها إلى السلطات الأجنبية وترك الحبل طويلاً لعناصر الجريمة والفساد تنتهك قوانين البلد المضيف وتشوه سمعة كل شرائح الجالية من رجال أعمال إلى باحثين وأكاديميين وعمال ومقيمين ولاجئين وتشعل تحفظات الدولة ضدهم وتشدد إجراءاتها بحقهم حتى تغلق آخر منافذ حقوق الانسان بحقهم وحق الاحترام للبلد التي هاجروا منها للعمل وللدراسة أو السياحة.