في ظاهرةٍ عميقةٍ وممتدة إلى أقصى مدى أُغفلت كثيراً حتى أصبح من الضرورة تناولها بحثاً كتابة وتقصي، وهي أن الكثير من شباب التجمع اليمني للإصلاح بات تواقاً إلى التغيير والانطلاق وكسر قيود الخطاب القديم والتنظيم الحزبي السري القاسي، والتعيينات التنظيمية على أسس الطاعة العمياء والانقياد الذي يُحرِّم النقد وحتى النقاش، وليس على أساس الكفاءة والقدرة القيادية والثقافة الواسعة والمعرفة التي تحكم سياسات التجمع اليمني للإطلاح، هذا إذا لم تصل الرسالة إلى كهوله في المقال السابق.
شباب يتوق إلى خطاب عصري يتساوق مع واقع الحياة الحديثة ويتعاطى معها. تواق إلى التخلص من مظلة الكهول الذين شاخت عقولهم وصدئت، ولم تعد تملك اية خيال وقدرات سياسية ترفع بها تلال الأنقاض والخرائب التي ساقت الحزب اليها.
وتواقٌ إلى هيكلة جديدة لقيادته، واستبدالها بقيادة فتيه تقرأ الواقع جيداً وتستشرف المستقبل وتُحسن اتخاذ القرار وفق معطيات علمية دقيقة وواقعية. تواق إلى الانفتاح وإعادة تقويم المشروع السياسي للحزب ومعالجة مواطن الضعف من خلال رؤية وطنية واستراتيجية تتوافق مع باقي مكونات الشعب. تواق لقراراتٍ شجاعة لمعالجة هيكلية الأزمات الحزبية وعدم الاكتفاء بإدارتها حتى تتمكن من خلق البدائل ولا تستسلم إلى الواقع والتكيف معه فقط.
ولا جدال أن الإصلاح يضم الكثير من خيرة شباب اليمن المستنير خُلُقاً قيماً وتضحيةً في سبيل حرية الوطن غير أنهم ينزعون إلى التحرر من رباق الطاعة العمياء وتعطيل العقل ورفع العصى وكسر قعبهمُ القديم والوعاء الفكري الذي أكل منه الدهر وشرب حتى أصابه التهشُم والخَلَقْ ويرفعون العصا على غِرار ما فعل أمينهم العام يوما الأستاذ محمد اليدومي مع تيار الجناح السلفي المتطرف داخل الحزب، عندما خاطب الشيخ الزنداني أنِ ارفع عنا عصاك يا رجل! كان ذلك عند اصطفاف الأخير وتعصبه مع جناحه السلفي المتشدد ضد إشراك المرأة في مجلس شورى الإصلاح إبان تأسيسه ووضع قواعده.
ثم أردف قائلاً هؤلاء علماء الحزب وقادته وباحثيه ومفكريه أجمعوا على خلاف ما دأبتَ عليه من التشدد وعدم فهم ضرورات المرحلة الموضوعية والسياسية داخل اليمن وفي محيطه الإقليمي، الذي بات مسراهُ إلى العلمانية أقرب منه إلى الدين ورموزه.
للأسف، ذات القيادة التي ثارت على عصا الشيخ الزنداني يوماً وضعت عصاها على رؤوس شباب الحزب وتحاول باستمرار كبح جماحه وإجباره على القراءة بنظاراتها وفقاً لرؤيتها القديمة والنظر إلى العالم من ثقوبٍ لا تتسع للعين هذا إذا لم تصيب الرائي منها بالتخبط والعمى.
من لا يمتلكون الخيال الواسع وأدوات تطوره العلمية والإيديولوجية التي توسع المدارك وتفتح الشُرفات التي يطلُ منها الإنسان إلى عوالم المعرفة في كل مجالات الحكم والسياسة والعلوم الإنسانية والطبيعية، لا يصلحون البتة للقيادة وتطوير الأداء، وينظر إلى من يحاول الإصلاح والتجديد والاطلاع والابتكار كعدوٍ يشكل تهديداً وجودياً لهم ولمشروعهم فيحاولون شيطنته ومحاربته بشتى السبل.
لقد أصبح الكثير من شباب الإصلاح حداثياً يتكلم اللغات الأجنبية ويمتهن تخصصات الطب وفروع الهندسة والإدارة والقانون، ويتعاطى مع شؤون وطنه بروح وثَّابة متقدة ويدرك طبيعة الصراع الدائر في الوطن، ثائراً ومتمرداً على كلاسيكية أداء قياداته المتسمرة على كراسي الحزب منذ عقود.
وكذلك أصاب آخرين منهم الإحباط والتذمر والخدر ناظرين إلى السماء لعل الله يرسل سحابة تغسل من على طريقهم يوماً الجدب وتغرس في طريقهم عشب يتخلله الشجر، وبرغم كل ذلك لا زالوا يشكلون عينةً حيةً لباقي شباب الأحزاب اليمنية الطامحين للتغير والقيادة والتفكير الحر دون قيود، والعيش في وطن تسوده المحبة ويحكمه القانون على أسس من العدل والمساواة بين الجميع، بصرف النظر عن التوجُه السياسي والانتماء الحزبي وحتى المذهبي والعرقي.
رسالةً مُخلِصةً أوجهها، لا تخالطها خصومة مع أحد ولا انتقاص من قدر أحد بل حرصاً وخوفاً وإشفاق، لأن انتمائي للوطن ومحبتي لكل محبيه والمخلصين له ولكل من ناضل من أجل سيادته والحفاظ على أهداف ثوراته وسيادته وعزه تُحتم علينا ذلك.
رسالة ألح عليّ كثير من الشباب لإطلاقها، متمنيين وصولها إلى مس المع المعنيين من القيادات القديمة، أن أتيحوا الفرصة لعقول شابه من جيلنا لتقودنا وتتفهم طموحاتنا وعظيم عزمنا، قيادات لديها القدرة الفكرية والعملية الحداثية الفتية وتحمُل طول العمل والمصارعة والسهر وإلى المسافات البعيدة تستسهل التنقل والسفر.
ومختصر رسالتهم أن جزاكم الله عنا خيراً على ما قدتم شكلوا منكم مجلساً استشارياً مرجعية موسوعية نلجأ إليها عند الشدة واستحكام الضرورة وفقاً لمقترح الشيخ عبد الفتاح مورو أحد قيادات الحركة الإسلامية في تونس والذي أضاف في أحد خطاباته أننا ولدنا لزمنٍ غير زماننا وعليه يجب علينا التسليم لأجيال الحداثة والتقنية الحديثة. وسنتعهد بتطبيق مبادئ الديمقراطية في تداول القيادة في الخصوص والعموم والتي نزفنا من أجلها دماً جَم، في كل الساحات الثورية في السواحل السهول والجبال التي تدور فيها رحى معارك استعادة الدولة، بدايةً لإسقاط الانقلاب الحوثي ونهايةً لمحاربة الإمامة الكهنوتية العائدة.
شباب لسان حالهم يقول نحن قررنا نزع منهجية استعداء الآخر لمجرد العداء واستجلاب الخصوم لحزبنا وبناء جسور الثقة مع باقي الشباب في كل الأحزاب اليمنية، والتلاقي عند نقطة خدمة الوطن أرضاً وإنسان، وكسر حيطان الريبة الخوف منهم. قررنا أن نمارس الديمقراطية في حزبنا وتبادل القيادة بشكل دوري كباقي التنظيمات السياسية والحزبية وأن نعتبرها حقل تطبيقي للوعي الديموقراطي واجب التطبيق على مستوى الأحزاب والدولة والمجتمع، وأن تكون السياسة شأناً آخر لها قواعدها وضروراتها بعيداً عن الدين وجن وادي عبقر وقضايا الاستجمار وإطلاق اللحية وإسبال الثوب ولف العمامة.
قررنا الاستفادة من تجارب الأحزاب الإسلامية والعلمانية العربية والأجنبية في إدارة الدولة إذا ما أتيحت لنا الفرصة، بالشراكة مع باقي شاب جيلنا في بقية الأحزاب والتعاطي مع قضايا الأمة المعاصرة بنضج وحكمةٍ وصبر.
قررنا العمل بفقه الضرورة السياسي والديني والاجتماعي والاقتصادي. قررنا بناء العلاقات الخارجية مع باقي الدول وفقاً لقواعد قانون العلاقات الدولية القائمة على المصالح المشتركة والداعية للسلم ونبذ العنف ومحاربة ثقافة الحرب.