باستطاعة الانسان الطارئ على الأرض التحدث عن هوية الوطن الوافد إليه، إذا ما تشربت روحه عاداته وتقاليده وثقافته برغبةٍ وعشق وعن طيب خاطر، وتغنى من القلب به شعراً فناً وأدب دون تهكم وازدراء لعالمٍ رمزاً تاريخياً أو أديب، وذاب في تضاريسه وبات كل ذلك جزءً أصيلاً من كينونته بلوغاً درجة التضحية في سبيل حمايته من جائحةٍ خارجيةٍ أو شر يهدده من الداخل.
أما أن يأتي الوافد ليسكنَ أرضاً في تعالي ويسعى إلى التميز الاجتماعي على أبنائه تُعشعش في نفسيته جروح مخفية ومخيفة سطحية وغائرة تنزف الحقد على السكان الأصليين أصحاب الأرض، فارضاً قسراً حكمه ومحو تاريخهم وسحق هويتهم وطمس كل المعالم والآثار التي تبقيهم على صلةٍ بمدخرات العز والسلطان والمجد فيهم، وتحويلهم إلى أدوات بشرية منزوعي الهوية يساقون بدعاوى اللاهوت الدينية التي ليس لها في نواميس الكون وقوانين الديانات أصلاً أو وجود، سيصطدم ذلك الجنون ليس مع الطبيعة البشرية ويرفض من السكان الأصليين فحسب، بل من كل الشعوب التي تؤمن بالقيم الحضارية والإنسانية جمعاء .
وتلك هي القصة التراجيدية التي وقع فيها الشعب اليمني منذ أن تماهت بعض القوميات الدخيلة عليه ورفضت أخرى كالقومية القرشية الهاشمية التي دمرت وشائج الحلقات التاريخية والقومية التي تحي روح الانتماء الوطني وتسحق جيناته المتعاقبة والممتدة أفقياً إلى أصوله القحطانية السبئية الحميرية السامية، الفكر الذي حمله المقبور يحي الرسي معه إلى أعالي جبال اليمن صعدة عام 284هـ بدايةً، هذا إذا صح انتماؤه إلى قبيلة قريش لأن الشكوك التي تُلاحق انتماء الكثير من الأسر المدَّعية انتماءها إلى قريش باتت تحت الشك وتُبحث أكاديمياً وعلمياً على كل الصُعُد، وتُنَبش زواياها التاريخية المظلمة بجدية عقب الأحداث العنفية والاجرامية الأخيرة التي أحدثتها غالبية تلك الأسر المتوردة في اليمن.
القصة التي تضافرت عوامل السطو فيها على أَعرقْ عاصمة في التاريخ حاضرة اليمنيين ومأواهم، من كل طيف مدينة وجهة حد الإطاحة بالدولة فكانت على النحو التالي:
أولاً: تمثل العامل الأول في استفراغ المجتمع اليمني من قادته وعمود جيوشه التحاقاً بالفتوحات الإسلامية وسكناهم أينما وصلوا وحلوا وتركوا الفراغ المجتمعي الذي تسلل منه الوافدون.
ثانياً: ضعف وترهل السلطة اليمنية التقليدية جراء الحراك الثوري بين الشعب وأطراف الحكم بقصد التغير من جهة والصراع وبين أطراف السلطة المنتهية ذاتها من جهة أخرى.
ثالثاً: تسلل فلول الإمامة الراجعة بحقدهم المدمر في مفاصل الحكم ومصادر قرار الدولة بكل نعومة خِلسةً لم تشعر به القوى الوطنية والجمهورية إلا بعد أن كشَّروا عن أنيابهم وتنكروا في لحظة من زمن لكل معروف تناسياً بأن أحداث اليوم ستصبح يوماً تاريخاً مراً تقرأه الأجيال تحتقره وتبصق على صفحاته.
طيبة اليمنيين حد السذاجة والغفلة التي بلغت مداها هي التي سهَّلت لهم إشعال ذلك الجحيم اليوم، عززته جريمة التماهي المذهبي والمناطقي للبعض معهم الذي انقلب أداة سيئة لسوق جل أبناء تلك المناطق إلى محارقهم بدايةَ، وقبل تجلي الحقيقة وقبل تورطهم في عجلة الصراع التي اكتشفوا أنفسهم فيها ضحايا لمطامع وطموحات سلالية ليس لهم فيها ناقة ولا نصيب.
صفوة القول أن بُناة الحضارة يسعون على الدوام إلى ترك بصمة وأثراً بارزاً تقرأه الأجيال المتعاقبة بعدها تكون شاهدةً على وجودها في مرحلةٍ من مراحل التاريخ، فتُحاول بناء الأبنية الجميلة والقصور الشامخة وتسطير الأدب الأثير والقلاع المنيعة وتمهد الطرق التي تسهل سير حياته وحياة الآتين من بعده، ومن ثم يحاول حفظ ما قام به لتصبح معلماً تاريخياً دالاً عليه وعلى آثاره، حتى تصبح هذه الآثار وبعض العادات والتقاليد التي عاشها ثقافةً ممتدة وهويةً فارقة تميزه عن باقي الشعوب، الحقيقة الغير قابلة للشك هي تمنُّعْ الطارئين السلاليين من الهواشم على اليمن الذين يعيشون ضمن مناطق بعض جغرافيتها الذوبان في العرق اليمني الأصيل وفي تاريخه وعاداته وتقاليده الأمر الذي زرع في حياته صواعق الحرب التي ما فتئت تَفُتُ في بنائه على مدى الف سنة حتى جعلته في ذيل قائمة الشعوب بعد أن كان قديماً في صدارتها.