ماضي اليمن ،البعيد والقريب ، مليء بالألغام ..
في كل زاوية وفي كل ركن من هذا الماضي ألغام كفيلة بنسف كل فكرة عن التصالح والتعايش وبناء دولة المواطنة ، بل وتدمير كل من يفكر في ذلك .
عاش اليمنيون حبيسي هذا الماضي الملغوم ، حتى أن كل واحد منهم كان يحمل لغمه الخاص كتعبير عن حجم الالغام التي صنعها ذلك الماضي في حياة اليمن .
ظل الماضي هو الحاضر دائماً، أما المستقبل فقد كان غائباً لدرجة لم ير فيه اليمنيون فرصة للانتقال إلى العصر إلا الوهم فيما يتزين به البعض من ثروات وحياة تتناقض مع البؤس العام ، أو ما يتوشح به غيرهم من وجاهة لا تنبئ بأصالة في السلوك ، أو ما يتنطع به المغامرون من مظاهر مسلحة تختفي وقت الحاجة ، أو ما يتقلده آخرون من "لجاجة" نظرية يموت مفعولها مع آخر حرف فيها .
كان ما إن يفتح نقاش بين الناس ، حتى لمجرد التلهي، إلا وانتصب هذا الماضي المثقل بألغامه ليحول الكلام إلى معركة تضيف المزيد من الألغام ، حتى أن اللغة ذاتها أصابها داء الألغام تلك .. فلا تجد تعبيراً إلا وقد فخخ بلغم أو مفجر تتهاوى معه أبنية من الروابط بين الناس . والأشد هواناً هو أن هذا الماضي الذي ارخي سدوله فوق البلاد لم يترك في الوعي مكاناً للتفكير في غيره .
وفي حين يفاخر اليمنيون بتاريخ عريق من الحضارة والحكمة ، فإنهم لا يجدون في البحث فيه عما ينشط ذاكرتهم بالعصر ، أو يحفزهم على العمل بالإنتقال إلى المستقبل .
ظل الماضي هو حقل الالغام الذي راح يتسع ويتسع ليغطى رقعة الجغرافيا السياسية من أقصاها إلى أقصاها ويصنع حاضراً مليئاً بالبؤس .
وكنا كلما غرقنا في الماضي وأهملنا المستقبل أخذت الألغام تنفجر في وجه البلاد والعباد وتطيح بالأحلام ومعها الامال بمستقبل يعيد وضع البلد في المسار الذي يتحقق فيه الأمن والاستقرار والتقدم .
لم يتمكن اليمنيون من وضع خارطة للخروج من حقل الألغام إلا حينما بدأوا يعيدون بناء الموقف من هذه الرزية داخل وعيهم وتكونت لديهم القناعة بأن الذهاب إلى المستقبل على رافعة دولة وطنية ديمقراطية ، بنظام يقوم على المواطنة ، هو الطريق إلى الخروج من هذا الماضي وألغامه .
كان الحوار الوطني تعبيراً عن القبول بهذه الحقيقة ...
إنتهى الحوار بخارطة للمستقبل بدا معها الماضي بألغامه وكأنه قد بات أثراً بعد عين ، غير أن الجميع لم يدرك أن هناك لغماً كبيراً مرواغاً كان قد تشكل وجرى بناءه بعناية شديدة بصورة مزامنة للدولة الهشة ونظامها المليء بالفجوات . كان الحوثيون هم ذلك اللغم الذي أخذ يتسع مع ضعف الدولة ، ويتعزز من داخلها ، وينبت أسنته في فجوات النظام . ظل هذا اللغم ينتظر إنهيار الدولة ، ولكن خيبته كانت كبيرة بنجاح الحوار الوطني في صياغة عقد إجتماعي جديد لبناء دولة المواطنة ففجر في وجه هذا المشروع الوطني ليحطم الجسر الذي كان اليمنيون قد بدأوا يقيمونه مع المستقبل ، ويغرقوا اليمن ، من ثم ، في الماضي وألغامه ، ويستمروا لغماً يُبنى من بقايا الدولة وحطامها .