تخيلوا لو أن القوات الحكومية رفضت التعاون مع الجنرال باتريك كاميرت، رئيس لجنة إعادة الانتشار في الحديدة، والذي قدم استقالته مؤخرا؟، تخيلوا لو أن تلك القوات هي من أطلقت النار على موكب "كاميرت"؟، تخيلوا لو أن الشرعية هاجمت كاميرت وغريفيث، واتهمت الأمم المتحدة بالتآمر؟، هل كانت المنظمة الأممية ستتعامل بذات الطريقة الإسفنجية التي تعاملت بها مع رفض الحوثيين وتعنتهم وخروقاتهم؟.
في الحقيقة، يثير التعاطي الأممي مع خروقات ومماطلات الحوثيين، الكثير من الأسئلة مع قدر كبير من الاستغراب، فما الذي يدفع الأمم المتحدة للظهور وكأنها منحازة أو متعاطفة مع الحوثيين؟، وهذا الاستغراب ليس حكرا على قطاع محدود من اليمنيين، فالجميع بات لديه قناعة بأن الأمم المتحدة، تتواطئ مع الحوثيين، وتمارس تغطية مقرفة لانتهاكاتهم، والتي كان آخرها تجنب تسميتهم في البيان الذي أصدره مكتب منسق الشؤون الإنسانية في اليمن يوم أمس، حول تعرض مطاحن البحر الأحمر للقصف من قبل مقاتلي الجماعة، كون المطاحن تقع تحت سيطرة القوات المشتركة.
وبالرغم من أن القوات المشتركة أعلنت استعدادها للتعاون مع برنامج الغذاء العالمي وتسهيل وصوله إلى مطاحن البحر الأحمر، إلا أن الأخير خرج في البيان المشترك مع مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، يدعو للسماح له بالوصول إلى المطاحن، وكأن القوات المشتركة تحول دون ذلك.
في كل البيانات التي تصدرها الأمم المتحدة والمكاتب والمنظمات التابعة لها، دائما ما يتم حشر الجانب الإنساني بطريقة توحي بأن التحالف هو من يتسبب بهذه الأزمة، في حين يخرج المتابع لتلك البيانات والمواقف، بصورة تُظهر الحوثيين وكأنهم ضحية، وكأنهم لم ينهبوا المساعدات، وكأنهم لا يسيطرون على موانئ الحديدة، وكأنهم لا يزرعون الألغام، ولا يقصفون ولا يقتلون بشكل يومي المدنيين في قرى ومدن الساحل الغربي، وفي بقية المحافظات اليمنية!.
فما الذي يدفع المنظمات الأممية إلى التموضع في مساحة تبدو أقرب للحوثيين؟، بدلا من أن تكون محايدة، بالرغم من أن الممول الأبرز لعمليات تلك المنظمات، خصوصا الإغاثية كبرنامج الغذاء العالمي، ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، هو المملكة العربية السعودية.
تتخذ سياسات ومواقف الأمم المتحدة طابعا ابتزازيا تجاه الحرب في اليمن، فهي تتعامل معها على أنها حرب بين دول النفط الكبرى التي يجب عليها أن تدفع أثمان باهضة للحرب في اليمن، بل والمنطقة برمتها، وبين جماعة تتعامل معها المنظمة الأممية كأقليله، بالرغم من تزايد الأدلة على أنها تقاتل بالنيابة عن إيران، وتمثل تهديدا خطيرا للسلم والأمن العالمي.
كما أن تلك المنظمة تخضع في كثير من القضايا والأزمات، لإملاءات الدول الكبرى، وعلى رأسها "الولايات المتحدة وبريطانيا"، وهذه الدول تنظر للمملكة العربية السعودية، على أنها مخزن ضخم للأموال، وأن عليها أن تغرق أكثر في مستنقع الحرب اليمنية، لتستمر حاجتها لشراء الأسلحة والمواقف من تلك الدولة، أقول مواقف، لأن الجانب الإنساني لطالما برز كسبب رئيس لابتزاز المملكة بخصوص اليمن.
وفي الحقيقة يمكن اعتبار جماعة الحوثيين، مثل "مسمار جحا"، في البيت الخليجي، وهذا المسمار هو ذريعة الغرب وعلى رأسه أمريكا وبريطانيا، لاستمرار ابتزاز المملكة العربية السعودية، وإجبارها على دفع المزيد من أثمان المواقف الغربية إزاء ما يحدث.
ولا يبدو أن هناك نية للانتهاء من مسلسل الابتزاز هذا، خصوصا في ظل ضعف فطنة الشرعية والتحالف العربي لهذه الدوافع، أو ربما عجزهم عن مواجهتها، الأمر الذي يمنح الحوثيين مساحة أرحب لممارسة لعبة القتل والتجويع والتدمير للشعب ومقدراته، ولو كان هناك شرعية قوية، قادرة على فرض أمر واقع، لكان الأمر مختلف، ولبدت الأمم المتحدة مجبرة على التعاطي مع الأحداث بطريقة على الأقل أكثر حيادية.