بين عدو حاقد وخصم فاجر وجاهل غارق في جهله؛ ثلاثة أطراف لا تنفك تشتم في نائب رئيس الجمهورية الفريق علي محسن، وتحرض عليه وتشوه سمعته وتقدح في شخصه أملاً في انفضاض الناس من حوله أو الإيقاع به، وكأن ما جرى في الانقلاب لا يكفيه. من خلال مسيرة طويلة ظليت أتابع التناولات الإعلامية وغير الإعلامية في حقه من قبل تلك الأطراف الثلاثة حتى يظن الظان والذي لا يعرف شخصه أنه شيطان في ثوب إنسان بحسب ما يتم تصويره من تلك الأطراف دون كلل أو ملل أو الوصول إلى نهاية! وللحقيقة والإنصاف فما وجدت شخصية يمنية ذات سعة صدر وتسامح وعفو بل ورد الإساءة بالإحسان كالفريق محسن؛ فمن خلال وقائع كثيرة ابتداءً من عام 1992 وحتى اليوم وكنت شاهداً على بعضها وعشت بعض تفاصيلها وجدت في الرجل الإنسان ما لم أجده في غيره. وجدت أنه كان يتغاضى عن أشياء كثيرة من الإساءات، ويقرب من أساء إليه، ويصفح عنه، ومن كان الرئيس السابق يغضب عليه ويلاحقه كان النائب ملاذه وحاميه حتى يزيل الوحشة بينه وبين علي صالح أو أركان النظام السابق ويحتويه ويقف إلى جانبه، ويسعى للصلح بينه وبين خصومه، ولا يرد من طرق بابه أو استجار به حتى. بحثت عن جملة جامعة أصور به مكارم أخلاقه وكرمه أصفه بها فلم أجد أفضل من هذا البيت لأبي تمام:
ولو لم يكنْ في كفِهِ غيرُ روحِهِ **** لجادَ بها، فليتقِ اللهَ سائلُهْ
ففي الوقت الذي عمل صالح على طرد الكثير من القيادات العسكرية والسياسية الجنوبية أو الحزبية الأخرى من المناطق الشمالية بعد حرب 1994 كان الفريق علي محسن يستقطب الكثير من تلك القيادات ويقربها منه ويعيدها إلى أحضان الدولة حتى من الشخصيات التي كانت قد تركت الوطن، ومن بعد ذلك شخصيات في الحراك الجنوبي، أو كذلك إصلاح ذات البين بين اللواء علي صالح الأحمر قائد الحرس الجمهوري الأسبق وبين علي صالح بعد قتل الأخير لنجل الأول وتصفيته في دار الرئاسة، أو كذلك إعادته للشيخ مجاهد القهالي القيادي الاشتراكي الذي ترك الوطن بعد حرب 94 وكذلك شخصيات كثيرة كأمثال العميد عبدالله الناخبي أمين عام الحراك الجنوبي وغيرهم كثير. لعل الجميع يتذكر حادثة النائب (المتحوث اليوم) سلطان السامعي في الحوبان عام 1992 بعد المؤتمر الجماهيري في تعز وكيف حاول صالح التخلص منه ثم بعد ذلك اتهامه بمحاولة الانقلاب وظل مطارداً في كل شيء عسكريا وسياسيا وأمنيا واجتماعيا، وفي خضم تلك الأحداث كان الفريق محسن يصالح مشايخ قبيلة آنس على قتلاهم في الحادثة ويحكِّمهم ويدفع دياتهم ويحمي ظهر سلطان السامعي من تلك الأحداث لعلمه بأنها كيدية وملفقة حتى أنه أعاده مرة أخرى إلى أحضان الدولة وجعل ترشيحه لمجلس النواب متقبلاً من قبل الدولة بعد أن أسقطت ترشيحه عام 1997، وظل داعماً له إلى أن انقلب السامعي على الفريق في ثورة الشباب 2011 وارتمى في أحضان الحوثيين. أحداث كثيرة وتفاصيل أكثر لا متسع لذكرها في هذه العجالة، لكن العامل الأكبر في هذه السيرة المباركة كان تصويب السهام إلى صدره من خلال تغذية أجهزة مختلفة في الدولة كان يقف على رأسها صالح بغرض إزاحته من طريق التوريث لنجله كما أزاح علي صالح الأحمر من قبل فكان يدعم بعض الصحف المحلية بغرض الإساءة إليه وتشويه صورته بغية التخلص منه. لكن الشيء الأخطر في هذا السعي كان من قبل المشروع الإمامي وتنظيمه السري عبر بعض الأحزاب وأجهزة الدولة المخترقة منه؛ لأن الجانبين –وأطراف أخرى- كلها كانت تدرك أن العقبة الحقيقية هو الفريق محسن أمام مشاريعها الصغيرة والتجزيئية لذلك صوبت كل سهامها إلى صدره، حتى أنها في حروبها في صعدة لم تحمل ضغينة واحدة على الرئيس السابق بقدر الضغائن والكره الذي حملوه لمحسن باعتباره الخصم اللدود الذي يتصدى لمشروعهم الإمامي، وكل تلك النوايا والظواهر والأعراض كشفت عنها الأحداث الأخيرة منذ عام 2004 (بداية حروب صعدة والتمرد الحوثي) وحتى اليوم. قبل الانقلاب بحت أصواتنا، وضاعت في خضم أمواج عاتية من التناولات الإعلامية بحق الرجل ومن معه –حصن الجمهورية- حملة ممولة بملايين الدولارات حتى صارت مثل وباء معدٍ ينتشر انتشار النار في الهشيم أدخلت كل متلصص في تلك الحملات زوراً وبهتاناَ بغرض إسقاطه ليس لشخصه هو وإنما لأنه الحصن الحصين للجمهورية ورافع رايتها الأول والغرض إسقاط الدولة والثورة والجمهورية، وهو ما كان. كانت أصواتنا تائهة وسط كل تلك الأمواج ونحن نقول أن الغرض ليس الرجل ولا الفرقة الأولى مدرع وإنما الجمهورية والثورة والوحدة، وكلنا سندفع الثمن، وتم النظر إلينا كخصوم وضمنا إلى قائمة خصومات تلك الحملات الممولة والمشبوهة ومن قبل جهلة الرأي وصغار الأحلام وهو ما جعلنا ندفع الثمن مطاردة وتشريداً، ودفع اليمن – كل اليمن- الثمن غالياً ومازال يدفع وسيظل حتى يرعوي أولئك الجهلة ويرتدع الخصوم، ويلتقي الناس على كلمة سواء لصالح وطننا الجريح. كان الفريق ومن معه من الثلة المخلصة قادرون على المواجهة من أول لحظة، لكن وبشهادة السفير السعودي آل جابر أن الفريق قال له حفاظاً على اليمن والدم اليمني أخرج من اليمن دون اقتتال، وهذه شهادة للتاريخ لحقنه دماء اليمنيين ولو كان دموياً لخاض حروباً مختلفة منذ عام 2011 وقد انقسم معه أكثر من نصف الجيش اليمني، لكنه فضل حقن الدماء ورضخ هو وصحبه لكل نداءات السلام التي كانت توجت بالمبادرة الخليجية في 23 نوفمبر 2011. اليوم، وبعد كل الأحداث الجارية والتي تعلم الصخر وليس بني آدم فقط ما زالت تلك الحملات التشويهية التحريضية مستمرة رغم كل ما يبذله الرجل في سبيل لملمة الصف اليمني والقيام بواجبه من منصبه في الدولة كنائب للرئيس فهو مدرسة لم تقتصر عند فعله الشخصي بقدر ما هي التفاف اليمنيين حوله كرمز للجمهورية والنضال ضد الانقلاب والمشروع الحوثي الفارسي.