كثيرا ما تطغى الخلافات على أي قرار يصدر من رئاسة الجمهورية أو غيرها، وغالبا ما يتم التركيز على الانتماء السياسي للشخص الذي يتم تعيينه، وأحيانا الانتماء المناطقي، ويصل الصراع إلى ذروته ويتم توجيه الانتقادات الحادة للمسؤول، دون أن يتم إعطاءه الفرصة للعمل.
هذا ما حدث مع كثير من المسؤولين، ويحدث اليوم مع رئيس الوزراء الجديد معين عبدالملك، الذي بدأ يدور الكثير من الجدل حوله لأسباب ودوافع كثيرة، ولكن للأسف قبل أن يتيحوا له فرصة العمل، ليكون بمقدورهم انتقاده على شيء واضح إن كان هناك تقصير، ، وأنا هنا لا أحرم الآخرين من إبداء مخاوفهم حول بعض النقاط، فقد مررنا بتجارب مريرة طوال فترة الحرب.
ربما تفرض طبيعة المرحلة الحالية كل ذلك الصراع، خاصة في ظل المحاصصة، والتدخل الخارجي، والطموحات السياسة للأحزاب اليمنية التي تعاني من ما يشبه الموت السريري، نتيجة لسلبية الدور الذي تقوم به في هذه المرحلة الحساسة في تاريخ البلاد.
لكني أرى أن البلد لا تحتمل المزيد من الصراعات السياسية الداخلية، بل إلى إتاحة الفرصة لرئيس الوزراء الجديد للعمل، ومن ثم يمكن انتقاده في حال تقصيره والبحث وراء أسباب ذلك خاصة إن لم يتم تقديم مصلحة الوطن، لا أن نلجأ إلى كل هذا الضجيج الذي لا يستند إلى أي شيء على أرض الواقع.
إن تعز عامة وصبر خاصة جديرة أن يكون أحد أبنائها هو رئيس الوزراء، فلقد قدمت هذه المحافظة الكثير من التضحيات بدءا من ثورة 26 سبتمبر 1962، وانتهاء بالحرب التي تعيشها اليمن حتى اليوم، إضافة إلى التهميش الذي تعاني منه منذ سنوات كثيرة.
أعتقد أن تعيين قيادات شابة في مثل هذا المنصب وفي مثل هذا التوقيت، قد يساهم في تلبية متطلبات المرحلة، بعد أن ظل مسؤولي البلد طوال عقود هم ذات الوجوه التي تتكرر دوما مع تغيير أسماء المناصب فقط.
تعز التي ينتمي إليها معين عبدالملك، على أبنائها جميعا أن يلتفوا حوله، فأنا أعتقد أنه لم يعد بمقدور أحد منا أن يعيش عاما آخر في ظل المعاناة الكبيرة التي تسببت بها الحرب المستمرة والحصار منذ الربع الأول من العام 2015، ولن يشعر بما يقاسيه يوميا أبناء هذه المدينة إلا ابنها، وأنا على يقين أنه سيساهم في تغيير مسار كثير من الملفات، وتحرير تعز، فيما إذا فرض نفسه، وتم تقديم الدعم الكامل له كما وعد بذلك الرئيس هادي أثناء تأدية رئيس الوزراء لليمين الدستورية.
لا ينبغي علينا في هذه المرحلة الحساسة أن نستمر على ذات النهج، ونعمل ضد بعضنا فقط لأن الآخر يختلف عنا بالانتماء السياسي، فنحن بحاجة إلى تظافر كل الجهود حتى نجنب اليمن ويلات هذه الحرب، وبالتالي فإن من الواجب علينا تغليب مصلحة الوطن قبل كل شيء، لأجلنا ولأجل مستقبل الجيل القادم الذي سيحملنا وزر تدمير البلد.
برغم الحديث الذي يدور حول صلاحيات الرئيس هادي بالتعيينات، واعتراض بعض المؤتمريين على رئيس الوزراء الجديد لأنه كان من مؤيدي ثورة فبراير 2011، إلا أنه يمكن القول إنه سيكون رجل المرحلة، فهو يحافظ على علاقات جيدة مع الكثير من القوى اليمنية المختلفة، وهو ربما ما سيقلل من الصعوبات التي قد يواجهها بسبب التعقيدات الكثيرة الحاصلة الآن، والتي سبق وأن عانت حكومة بن دغر منها.
لقد عُرف عن رئيس الوزراء معين عبدالملك، العمل بتفاني وإخلاص، والنزاهة، وانفتاحه على الآخر الذي يختلف عنه، ولذلك لندع الخلافات جانبا، ولنسمح للرجل أن يبدأ بالعمل، فالبلاد تتجه نحو الأسوأ نتيجة الأزمة الاقتصادية واستمرار الحرب التي حرمت اليمنيين من خيرات بلادهم، ومن الحصول على أبسط حقوقهم.