تأسس حزب الإصلاح على مرحلتين..
في المرة الأولى تأسس كجماعة دينية تعمل بشكل أساسي على إنجاز "العودة" الى زمن "الدولة الإسلامية"، وهي مهمة اقتضت من "الحركة" التحالف مع القوى القبلية التقليدية في مواجهة المد اليساري، والقوى الوطنية التي سعت لبناء دولة وطنية قائمة على أسس جديدة لتحقيق أهداف ثورة سبتمبر.
وفي المرة الثانية، مع انطلاق التعددية السياسية عقب اعلان الوحدة اليمنية، أعادت الحركة الاسلامية تأسيس نفسها كحزب سياسي بنفس الأهداف السابقة (تقريبا)، وليمثل تجمعا دينيا لمراكز القوى القبلية وذراعها العسكري داخل النظام الحاكم.
في الحالتين كان "الإصلاح" كتلة رجعية معيقة، تستحق مخاصمتها والوقوف ضدها، باعتبارها الوجه الآخر للنظام المتخلف، وأحد أسباب فشل الدولة اليمنية الحديثة.
لكن هناك مرحلتين أخريتين لا يجب اغفالهما عند النظر إلى تجربة هذا الحزب، أو التعامل معه..
الأولى هي مرحلة "اللقاء المشترك"، وهي المرحلة التي تطور فيها الاصلاح ليتخذ شكلا أقرب إلى الحزب السياسي ذي المشروع الوطني، المندمج في إطار مشروع كبير قدم تجربة ستبقى من أنضج تجارب العمل السياسي العربية، وأكثرها إلهاما.
في هذه التجربة برز إلى الواجهة ما يمكن أن نسميه الجناح السياسي للحركة الاسلامية، مقابل تراجع دور "رجال الدين"، وهو ما سمح للإصلاح بإحداث تغير ملحوظ في أدبياته وحركته السياسية.
أما المرحلة الثانية فهي تجربة "ثورة فبراير"، والتي مثل فيها الحزب رافعة مهمة من رافعات العمل الشعبي والسياسي داخل الثورة، واستطاع الاصلاح مع باقي أحزاب اللقاء المشترك الوصول بالثورة إلى موقع جيد، بغض النظر عن السلبيات التي رافقت هذا العمل، والتي قد يرى البعض إنها كانت عاملا رئيسيا في ما وصلنا اليه اﻵن، إلا أن الحقيقة تشير إلى أن تلك الأخطاء كانت عوامل ثانوية وليست رئيسية في ما حدث في 2014 لأسباب ليس هنا مكان نقاشها.
وإذا كانت مرحلة اللقاء المشترك قد أظهرت لنا رجال السياسة وحجمت دور رجال الدين داخل الحزب، فإن مرحلة فبراير أبرزت الشباب، وهذا تطور مهم في مسار الحزب، وكان يمكن أن يشكل انعطافة مهمة على مسار العمل الوطني والعملية السياسية اليمنية ككل لو لم تباغتنا الحرب.
بشكل عام.. تركز دراسات الأحزاب على طبيعة توجه الحزب وأهدافه المعلنة وطبيعة المصالح التي يمثلها لحظة التأسيس، ولكنها تغفل بعد مهم يمكن تسميته "إمكانات المستقبل".
وفي ما يخص حزب الإصلاح فإن كثيرين يخطئون عندما يبقون نظرتهم لهذا الحزب عند لحظة التأسيس وما شابها من مساوئ، أو حتى عند الأخطاء التي ترافق عمله..
في الأولى يمكن المحاججة بأن الأحزاب بنى حية لا تتوقف عند لحظة محددة، وهذا يصدق على كل الاحزاب كما هو على الاصلاح، فالحزب الاشتراكي لم يعد هو حزب السبعينات بشعاراته وأهدافه وأداءه، ولا التنظيم الناصري ذلك الناصري الذي كان يوما.
أما في الثانية فإن الأخطاء واردة في كل عمل، ومن لا يعمل هو الوحيد الذي لا يخطئ، كما يقال، واذا ما انحصر دورك في مراقبة أخطاء الآخرين فهذا يعني أنك أكثر ضررا من المخطئ ذاته، لأنك عنصر غير مفيد من الأساس.
بقيت هناك نقطة ربما تبدو أهم مما سبق.. يمكن ملاحظة أن الإصلاح في هذه اللحظة يتوفر على أكبر تجمع شبابي داخل البلاد، هذا يعني أيضا أن قاعدته تمثل أكبر شريحة منتجة في البلد، تتوزع على مجالات عدة، وهذه الشريحة بشكل أو بآخر هي امتداد "فبراير" داخل الحزب.
هذه الشريحة مهمة من عدة جوانب لأنها أولا فئة جديدة لم تشهد لحظة التأسيس الأولى للحزب، وبالتالي لا تشارك قيادة الحزب الإيمان ذاته بالهدف الرئيسي لإنشاءه " إعادة الأمة الى الإسلام"، بقدر ما تشاركنا نحن هدف إنشاء وطن حر كريم لجميع أبناءه، وإن كان لا يزال الدين ركن أساسي في رؤيتهم السياسية، فهذا من حقهم وليس أمرا سيئا، فهناك أحزاب محافظة في كل الديمقراطيات.
كما أن هذه الشريحة ستصبح يوما على رأس قيادة الحزب، ومخاصمتها، على أنها "حزب الاصلاح"، يعني نقل الصراع الى المستقبل، مع ما يعنيه ذلك من مخاطر، أخطرها هو دفع هذه المجموعة إلى اتباع نهج القيادة التاريخية للحزب في بناء تحالفاتها مع مراكز النفوذ، القبيلة والدينية، واستمرار الاصلاح في الطريق القديم الذي بدأ الخروج منه عند لحظة انضمامه لتكتل "اللقاء المشترك".
ملاحظة أخيرة: باعتقادي أنه من الأسلم والأفضل التعامل مع الإصلاح بطريقة مختلفة عن التعامل مع بقية الأحزاب، فهذا الحزب الضخم والحركي يمكن أن يكون أبرز المكونات التي تساعدنا على النهوض، ويمكن أيضا أن يشكل أكبر عائق في حال تعاملنا معه بطريقة سيئة.
خلاصة ما أريد قوله، إن الفهم والتعامل السياسي مع حزب الاصلاح أفضل من فهمه والتعامل معه وفقا لمعادلات تفرضها الآيديولوجيا.