قبل أسبوعين من انطلاق جولة جديدة من المفاوضات بين الحكومة اليمنية الشرعية وجماعة الانقلابيين الحوثيين في جنيف، طار الناطق الرسمي للجماعة محمد عبدالسلام إلى العاصمة اللبنانية بيروت؛ للقاء زعيم «حزب الله» حسن نصر الله، في خطوة لا تفسر إلا كونها تعد تنسيقاً كاملاً بين الجماعة، التي رهنت موقفها السياسي لأدوات الخارج؛ لتوجيهها كما تشاء، وإيران؛ عبر الوكيل الحصري لها في المنطقة، المتمثل في «حزب الله».
من لا يفهم حقيقة الدور الذي يلعبه «حزب الله» في أزمة اليمن، فبإمكانه قراءة دلالات الخطوة، التي قام بها ناطق الميليشيات الحوثية قبل أيام قليلة من استئناف المفاوضات مع الشرعية، ومن لا يزال لديه شك في أن الحوثي مجرد قفاز للمشروع الإيراني في المنطقة؛ فبإمكانه الاعتماد على التحرك، الذي تقوم به الجماعة، ويستعيد شريطاً طويلاً من تدخلات «حزب الله»، وبالتالي إيران في أزمات المنطقة، وفي القلب منها اليمن، التي استولت الجماعة على السلطة فيها بقوة السلاح بمساعدتهما، فتدخلاتهما لا تحتاج إلى شرح، وقد ثبت بالدليل القاطع، أن إيران و«حزب الله» كانا في قلب هذا الانقلاب؛ دعماً وإسناداً سياسياً وعسكرياً وإعلامياً وخبرات في المجالات كافة.
ذهاب الناطق الرسمي باسم الانقلابيين إلى الضاحية الجنوبية، ولقاؤه زعيم «حزب الله»، دليل إضافي على أن التدخلات الخارجية في الأزمة اليمنية لم تتوقف، والتبرير الذي يسوقه حسن نصر الله عن نصرة «المظلومين» في اليمن، لم يعد يقنع أحداً، فأصابع الحزب التي تمارس التخريب في اليمن لا تخفى على عين المراقب الحصيف، فالضاحية الجنوبية تحتضن منذ سنوات، القيادات السياسية والإعلامية للجماعة المتمردة، وتحولت إلى منصة لانطلاق تحركات قيادات الجماعة في الخارج، وبالطبع في قلبها إيران، التي أوكلت إلى «حزب الله» مهمة الإشراف المباشر على اليمن.
وإذا كان موقف إيران معروفاً حيال جماعة انقلابية متمردة صدر ضدها قرار من مجلس الأمن الدولي، فإن من غير المفهوم تورط لبنان كدولة عضو في الجامعة العربية وفي المجتمع الدولي، في دعم الجماعة، والسماح ل«حزب الله» في استغلال لبنان؛ لدعم الحوثيين، ناسفة بذلك سياسة «النأي بالنفس» التي يحتاج إليها لبنان؛ لتوازنه السياسي والاقتصادي وموقعه العربي والدولي.
استقبال حسن نصر الله لوفد الميليشيات الحوثية الانقلابية في العاصمة بيروت، وتوقيته قبل مشاركتها في المفاوضات المقبلة، المقررة في السادس من شهر سبتمبر/أيلول المقبل، دليل على أن القرار ليس في أيدي الجماعة، بقدر ما هو في أيدي إيران و«حزب الله»، ويتأكد للرأي العام أنهما من يتحكمان فعلاً بموقف الحوثيين في المفاوضات، التي تجري برعاية الأمم المتحدة.
وكما أفشلا المفاوضات السابقة التي جرت في «جنيف 1 و2» وبييل والكويت، فإن الدور نفسه سيتكرر في «جنيف 3»، وهو دور لا تخجل الجماعة أن تلعبه، حتى وإن تسبب ذلك في زيادة معاناة اليمنيين أضعافاً مضاعفة عما هي قائمة اليوم.