المهمة العسكرية للسعودية والإمارات في اليمن، باتت - كما نراها - اليوم حرباً على الحكومة وحرباً على أعدائها. فسلاح التحالف مُشْرعٌ في وجه الحكومة بالقدر نفسه الذي يتجه صوب الحوثيين، غير أن النيل من الحكومة يمضي بوتيرة أسرع بكثير من المواجهات العسكرية مع المليشيا الانقلابية، والتي يخوضها التحالف عبر أدواته العسكرية والأمنية اللاوطنية في معظمها، ويخوضها بصورة أكبر عبر الجيش الوطني الذي تشكل حديثاً، لذا نجده يقاتل في ظل قدرٍ كبيرٍ من التواطؤ والخذلان من جانب هذا التحالف.
المنحى التكتيكي الخطير لتحالف الرياض- أبوظبي، الذي بدأ يتجه نحو إضعاف السلطة الشرعية والاستحواذ على الأرض، من المرجح أن يؤسس لصراع سوف يزداد تعقيداً في اليمن؛ أطرافه الإقليمية لم تعد تقتصر على دول التحالف الذي أسسته الرياض في آذار/ مارس 2015، بل تشمل أطرافاً بقيت على مسافة قريبة من الحدث ملزمة نفسها بقدر هائل من الانضباط، لكنها اليوم - على ما يبدو - تقفُ متأهبةً خلف ستار شفاف يمكن من خلاله تمييز من هي هذه الأطراف وما الذي تريده بوضوح تام.
فقد أثار التواجد العسكري الإماراتي في محافظة أرخبيل سقطرى؛ ردة فعل لم تقتصر على الحكومة المعترف بها دولياً، ولكنها أثارت مخاوف أطراف في الإقليم، مثل سلطنة عمان التي بقيت صامتة حيال التمدد العسكري السعودي في محافظة المهرة المتاخمة، رغم أنها تمتلك امتدادات مهمة من الولاءات العشائرية التي بنتها عبر عقود من الزمن في المحافظتين.
وبالفعل، فقد انعكست مخاوف السلطنة بشكل واضح في التحركات الشعبية التي شهدتها وتشهدها محافظة المهرة، على وجه الخصوص، والتي ظلت، إلى جانب سقطرى حتى تشرين الثاني/ نوفمبر 1967، إحدى السلطنات التي تُكون المحميات البريطانية الشرقية.
فما إن تناقلت وسائل الإعلام نبأ وصول قوات إماراتية مؤللة إلى أرخبيل سقطرى ومباشرتها عملية تجريف لمظاهر السيادة اليمنية على الأرخبيل، حتى تنامت موجة الاحتجاجات الشعبية في محافظة المهرة المتاخمة لسلطنة عمان، معلنة عن بدء اعتصام مفتوح رفع ستة مطالب وإن لم تشر بوضوح إلى ضرورة انسحاب القوات السعودية، فإنها نصت على خفض مستوى تدخل هذه القوات، بما يسمح بعودة الوحدات الأمنية اليمنية السابقة إلى ممارسة مهامها الأمنية والعسكرية في المحافظة، وتميكن السلطة المحلية من القيام بواجباتها كما كان عليه الحال من قبل.
نجحت الحكومة في جر التحالف إلى مربع المواجهة المثالي، وهو محافظة أرخبيل سقطرى، فقد مثل هذا التكتيك في تقديري مفاجأة لحاكم أبو ظبي القوي محمد بن زايد؛ الذي لم يستحضر السحرة، ولم يجهز ما يكفي من الأدلة المفبركة لتبرير تواجده العسكري في هذا الأرخبيل ذي الطبيعة الساحرة والقيمة البيئية العالية، والذي يوصف بأنه جالاباجوس الشرق.
لقد تعمق مأزق أبو ظبي في هذا الأرخبيل، إلى حد تبدو معه اللجنة العسكرية السعودية أقرب إلى إقناع أبو ظبي بسحب قواتها من الأرخبيل، وإنهاء الخلاف الناشئ مع الحكومة تأسسياً على هذا التواجد المفاجئ وغير المبرر في الأرخبيل.
لكن ثمة معلومات تفيد بأن قوات سعودية قد تكون هي البديل في حال انسحبت العناصر التابعة للجيش الإماراتي، وهو إجراء لن يكون مقبولاً في كل الأحوال، حتى وإن أذعنت الحكومة الشرعية له لأسباب عديدة.
فليس هناك من ضمانات على أن هذه القوات ليست إماراتية، أو أنها ربما تضع اليد في كل الأحوال على هذا الأرخبيل أملاً في تقرير مصيره ضمن ترتيبات التحالف التي لا تبدو بريئة ولا حريصة على سلامة التراب اليمني.
تصاعدت الإجرءات اليمنية ذات الطابع السياسي، لتصل إلى حد توجيه مذكرة إحاطة إلى مجلس الأمن تضمنت إعادة تأكيد ما كان قد أعلن عنه رئيس الوزراء اليمني الدكتور أحمد عبيد بن دغر؛ من أن جوهر الصراع الحالي يتمحور حول قضية السيادة على الأرض، وهي الحق الحصري للحكومة اليمنية الشرعية، بكل تأكيد.
هذا الأمر استدعى مواقف متفاوتة من العواصم ذات الصلة بالأزمة والحرب في اليمن، وجميعها ربما اختلفت في مستوى الصياغة اللغوية، ولكنها اتفقت على ضرورة احترام وحدة الأراضي اليمنية.
هناك هزيمة معنوية حقيقية قد لحقت بالنفوذ الإماراتي في اليمن، ضعفت معه حجج السياسيين والمغردين والناشطين المحسوبين على الإمارات، ولم يبق معهم سوى استثارة العداء التقليدي تجاه من يسمونهم الإخوان المسلمين، وهي عادة درج عليها التحالف مع كل مخطط يعتمده للنيل من السيادة اليمنية، والذي عادة ما يأتي في سياق تحركات تتم في خضم الاستهداف الإعلامي والسياسي للإخوان المسلمين.