قبل تكليف الدكتور أحمد عبيد بن دغر بأسابيع، كنت أنا والأخوة عادل الأحمدي وهمدان العليي وفهد الشرفي نخوض نقاشا مطولا حول سلبيات رئيس الحكومة في تلك الفترة خالد بحاح، ومخاوفنا من عدم إدراك هذا الرجل لأبعاد الصراع الحاصل في اليمن، كونه لا يتعامل مع مليشيا الحوثي إلا باعتبارها جماعة تريد أن تشارك في الحكم كأي جماعة سياسية أخرى.. وإذا أعطي لها نصيب في الحكومة فستنتهي الحرب علاوة على ذلك أن الرجل جاء به انقلاب الحوثي على الشرعية وتبوأ منصب رئيس الحكومة بتأييد من الحوثي وهذا ما كان يشعرنا بالتوجس.
يومها، أخبرت الزملاء بأن أفضل شخص يمكن أن يرأس الحكومة خلال هذه الفتره هو الدكتور أحمد عبيد بن دغر لعده أسباب. منها، انه رجل دولة مخضرم عاصر عدة رؤساء في دولة الجنوب ودولة اليمن الموحد، كما انه أفضل سياسي جنوبي متعمق في فهم الصراع اليمني الإمامي التاريخي، فهو صاحب كتاب "اليمن تحت حكم الإمام أحمد". وبالتالي فهو جمهوري يدرك أهمية الجمهورية وأهمية ثورة سبتمبر وما احدثته من تغيير جذري في حياة اليمنيين ويعرف بأن التخلي عن الجمهورية أو عن ثورة سبتمبر سيكون بمثابة إعادة اليمن إلى العصور الوسطى وهذا ما أيده جميع الزملاء في ذلك اللقاء.
بعد أيام، أصدر الرئيس عبدربه منصور هادي، قرارا جمهوريا يقضي بتكليف بن دغر برئاسة الحكومة، والذي أجزم بأنه من أصوب القرارات التي اتخذها الرئيس.
تقدم بن دغر للحكومة متسلحا بسلاح الوعي والإخلاص للقضية اليمنية وخبرة وأدراك رجل الدولة المحنك.
لم يكن لبن دغر حزب يستند إليه، فالمؤتمر الشعبي العام يعاني من انقسامات داخليه يجعله عاجزا عن تقديم أي دعم لرئيس الحكومة، كما أنه لا يستند إلى قبيلة فقد أتى من حضرموت المنطقة وهي محافظة مسالمة لا تؤمن إلا بالمدنية والتحضر. جاء بن دغر في ظروف استثنائية، وأوضاع صعبة للغاية. حيث ورث حكومة مهترئة مفككة إداريا ومفلسة ماليا، فضلا عن ظروف الحرب التي تعيشها اليمن وحاله الشتات ودعوات التقسيم في جنوب اليمن.
واجه هذه التحديات متسلحا بما يناسبها، وتعامل مع القضايا بحنكة ودراية. فقد صمد أمام المشروع الإمامي بسلاح اليمني المعتز بهويته والمتسلح بسبتمبر المجيد مدركا لخطورة وألاعيب هذا المشروع المتخلف الذي أراد أن يعيد اليمن لما قبل التاريخ. كذلك واجه التفكك في أجهزة الدولة بسلاح الخبرة والإدارة التي تعلمها على يدي نظام من أنجح الأنظمة في الإدارة وبناء المؤسسات (النظام الاشتراكي في جنوب اليمن سابقا) وأصبح لدينا بعض المؤسسات وإن بالحد الأدنى. كذلك عمل على أن يوجد أوعية للإيرادات وإعادة تشكيل البنك المركزي (رغم أن التحاصص الحزبي في الوظائف، والذي يدمر أي عمل إداري يقوم على أسس مهنية) .
واجه رئيس الحكومة مشروع الانفصال بروح الرجل الوحدوي الذي غاص في أعماق المشروع الجنوبي الانفصالي حتى أدرك عدمية هذا المشروع وعدم جدواه.. كيف وهو الرجل الآتي من معسكر الانفصال في عام 94 وهو المطلوب رقم (5) ضمن قائمة المطلوبين لنظام صالح؟
لقد واجه كل هذه الصعوبات بجدارة، ولم يكن بخلدنا أن يصبح بن دغر وهو صاحب الرؤية المدنية المنسجمة مع تطلعات الشعب اليمني ومع المحيط الإقليمي.. لم نكن نتوقع يوما ما أن يصبح هدفا لعمل عسكري كالذي حدث أواخر يناير 2018 .
كما لم نكن نتوقع أن تحركاته في المحافظات اليمنية من أجل استعادة الدولة لهيبتها وأنشطتها ودورها في تقديم الخدمات للمواطنين.. لم نكن نتوقع أن تكون هذه التحركات مزعجة لبعض الأشقاء الذين لازلنا نفترض فيهم حسن النيه.
واجه بن دغر كل هذه الأحداث بصلابه وشجاعة منقطعة النظير.
بن دغر الذي صعد إلى الحكومة بدون حزب أو قبيلة، هو اليوم من يتربع على رأس حزب الجمهورية وقبيلة اليمن.
إن صلابة هذا الرجل وشجاعته وحنكته ودبلوماسيته جعلته محط احترام كل يمني وكل حر في العالم.. لقد أصبح هو الصوت المعبر عن تطلعات وآمال الشعب اليمني.