كم هو عظيم جرم الخائنين الخائبين الذين خانوا الأمانة و جانبوا الصيانة في أموال أهل الإسلام التي استرعاهم عليها الملك العلام فصاروا في الفساد من الأعلام و لا يغطي عورتهم ما يملكون من إعلام فمن ذا الذي في بغضهم يُلام؟!
فهم قوم شغفوا بالإمارة و اتبعوا النفس التي هي بالسوء أمَّارة و صار لهم في الفساد رايات و منارة!
ففي المناصب داموا و عن القيام بالواجب و الحق ناموا و بالباطل هاموا فاعوجوا و ما استقاموا.
فمن غرم إلى غرم و من جرم إلى جرم فزاد الغرام و انتشر الإجرام و تنافس الناس في الحرام.
فإذا طولبوا بالاستقالة ردوا بجهل و استطالة و زعموا أنها بدعة ضلالة!
ففي مذهب أهل الفساد و النذالة و الخيانة و الفسالة الاستقالة بدعة ضلالة!
لكن أكل أموال المسلمين بالباطل المهين و ظلم و اضطهاد المواطنين حق مبين!
و لو أنهم نظروا في سير النبلاء من العلماء و العقلاء و الحكماء و الفضلاء لوجدوا أنهم عدوا الإمارة من البلاء و أبوا قبولها أشد الإباء و ابتلوا بسبب ذلك أشد ابتلاء.
فمنهم سجين و منهم رهين و منهم أهين و هو ثابت مكين لا يتزحزح و لا يلين.
و منهم شريد و منهم طريد بل و منهم أبيد و هو عن الحق لا يحيد.
لأنهم لم ينظروا إليها نظرة قصيرة بل نظروا إليها بعين البصيرة.
فعلموا أنها صارت مغرما و ليست مغنما
علموا أنها صارت أمانة و ديانة و ليست خيانة و مهانة
علموا أنها حساب و نَصَب و عقاب و وَصَب
علموا أنها وقوف طويل بين يدي رب الأرباب و كل صغير و كبير مسطور في كتاب.
فلما علموا شرها و فتنتها و شررها و استبان لهم وعورتها و كشف الله لهم عورتها فروا منها فرارهم من الأسد و لم ينظروا إلى أهلها بعين الحسد فسلموا الروح و الجسد و سلكوا المسلك الأسدّ.
و لو سلك مسلكهم الخلف لكانوا خير اتباع للسلف و لجانبوا الهلاك و التلف.
فالمناصب لا يصلح لها إلا القوي الأمين
فلا يصلح قوي يخون و لا أمين يهون.
و نقولها ناصحين مجانبين مسلك المادحين لكل خائن مبين و ضعيف مهين:
(قد كثر شاكوك و قل شاكروك فإما اعتدلت و إما اعتزلت).