في وقت متأخر من الليل، لم استطع النوم على الرغم من الجهد الذي بذلته هذا اليوم لاتمام مجموعة من الالتزامات، التنفس بالكتابة جميل والأجمل منه ان تخط يدك لتمجد هذا الوطن وهذا الشعب العظيم.
على مدى عقود طويلة منذ قيام الثورة اليمنية المباركة 26 سبتمبر، لم تشهد اليمن استقراراً ملحوظاً حتى في حكم صالح -رحمه الله- وكان الوطن يغلي بالأحداث والحروب من أجل الكرسي والحكم ومحاولة سيطرة طرف على اخر، ونعرف جميعاً هذه الحروب ولعل ابرزها في اعوام 78، الثمانينات وحروب المناطق الوسطى، 86،94، حروب الحوثي الست والحراك وثورة فبراير ثم احداث حروب الحوثي وغزواته على اليمن الى حرب التحالف والى اليوم، ولم يشهد اليمن اي استقرار سوى اعوام قليلة متقطعة كان يستريح فيها تجار الحروب ليسرقوا خيرات الشعب وثرواته..
وحدها فقط ثورة فبراير من كل هذه الاحداث كانت محاولة لاعادة الدفة الى الامام، ورسم خارطة يحكم فيها كل الشعب وفقاً لدستور وقانون يكفل الحريات والمساواة والعدالة الاجتماعية والتداول السلمي للسلطة، والسعي لبناء وازدهار ونماء اليمن بمشاركة كل فرد من هذا الشعب. لم نقف ابداً ضد صالح الشخص، وانما كنا ضد كل الممارسات التي حصلت في عهده وتحت حكمه و حمايته، ولن نذكر اشارات لهذه الممارسات فالكل يعرفها جيداً، والدليل على اننا وقفنا فقط ضد الممارسات الخاطئة هو اننا كنا معه في اخر ثلاثة ايام من حياته، لأنه كان يمثل حينها تطلعات شعبٍ عظيمٍ عانى من الإمامة قرون طويلة وثلاث سنوات.
كان صالح متحداً مع الاصلاح بعد 90، وكان الاصلاح يعي جيداً كيف يستغل هذا التحالف في توعية الشعب وحمايته من غرس مفاهيم خاطئة قد تمس دينه وعقيدته وجمهوريته ويمنيته وثورته النبيلة، فاتاح لهم صالح عمل المعاهد التعليمية بعدما طلبوا منه ذلك، فاكتسحت غالبية ارجاء الوطن بفكرها الديني الوسطي وتناغمها الحداثي و العصري، وكان عدوها الوحيد آنذاك هم فقط من نسميهم الان جماعة الحوثي، او السلاليين بالمفهوم الأعم، او ابناء الهاشمية السياسية، كانوا يعرفون جيداً ان الفكر المعتدل سيلغيهم الى الأبد، فقام الكثير بالانضمام الى حزب المؤتمر وصالح، وكان احدهم حسين الحوثي مؤسس الجماعة الكهنوتية السلالية، وسبقه الكثير من ابناء السلالة حتى زوجوا صالح منهم وهم الذين لا يزوجون اي قبيلي الا من خدم مشروعهم وارادوه لمصلحتهم.
كانت الثعالب الهاشمية السلالية، هي اول من خوف صالح بفكرة انتشار المعاهد التعليمية، لانها لن تخدم مشروعهم وفكرتهم الدخيلة والقديمة والسيئة، وهم الذين يبحثون عن بيئة جاهلة تؤمن بخرافاتهم وشعوذاتهم، فابتعد صالح عن الاصلاح، وردم مشروع المعاهد وحظره تماماً، وتم اغلاقها وبطلب من امريكا التي كانت خطتها التقسيم الطائفي للوطن العربي، ومن يستطع خدمة مشروعها غير الاقليات الخبيثة التي تنتشر كالسرطان.
كان المؤتمر والاصلاح هما الجسد الحصين لهذا الشعب، مع بقية مكونات الاحزاب الشريفة،وحين اختلفوا، تمكن منّا الاماميون، وغزانا السلاليون بفكرهم المريض والخبيث، ترك صالح من يقدم رأسه بعقيدة صلبة لكل مبادئه وذهب بعيداً لصناعة اللصوص والمسيبين، واللامبالين سوى ببطونهم وحزمة الفلوس التي يرميها لهم على ابوابه.
حرنتُ كثيراً لاستشهاده رغم الألم الذي كان يعتصرني طيلة فترة حكمه بسببه، وانا الذي لا اعرف ابداً اني احببته سوى في عقلي اللاواعي الذي ساهم في تكوينه الاعلام ايام الطفولة، كبرتُ وكبرت احلامنا، فتجاوزت صالح الفرد لدولة مدنية قائمة على النظام والقانون والديمقراطية والمؤسساتية، فشاركنا بثورة فبراير مع تزامن ثورات الربيع العربي، بقلبٍ مخلص للوطن والوطن وحده فقط.
في الختام، اتمنى من الجميع عدم اليأس، فاليأس خيانة وخذلان لهذا التراب الطاهر، فالوطن ليس اشخاص ولا انتماءت حزبية، توحدوا وتلاحموا ورصوا الصف لقتال الامامة الايرانية الخبيثة، ولن نُهزَم ما دمنا مع الله وعلى الله نتوكل، ولن تمنعنا كل محاولاتهم البائسة لارهابنا وتخويفنا، ولتعلموا جميعاً ان الجمهورية امانة في اعناقنا ولن نفرط بها باذن الله ما حيينا.