في أواخر ثمانينيات القرن العشرين, وأنا أبدأ حياتي العملية الوظيفية, وفي مكان العمل كان ثمّة "فرَّاش" أمّي بسيط يقوم على نظافة المؤسسة ومكاتبها, وكان أول من يأتي وآخر من يغادر .. تبيّن لي في ما بعد أن اختيار الرجل, أو "العم محمود" _كما كان يسميه الجميع_ لم يكن صدفة, بل لأسباب تتعلق بمنزلة أسرته الاجتماعية التي كانت تتوارث الخدمة في البيوت والمناسبات.
وذات صباح رأيت الرجل متهللا فرحا يتقافز بين المكاتب, وعندما سألته عن السبب, أجابني والفخر ينضح من جبينه المتغضِّن بالصبر والتعب: "ابنتي كوكب تفوقت فهي الأولى على مستوى الجمهورية في الثانوية العامة"!
بعدها بسنوات أصبحَتْ كوكب أستاذةً في الجامعة.. ولن أنسى أبدا زيارتها لي وأنا في هيئة الكتاب _وكان أبوها يقف إلى جانبها مثل ملكٍ متوّج! - وذلك كي أطبع كتابها الأول..