نحتفي اليوم بالذكرى الخامسة والخمسين لثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة في ظروف أكسبتها عمقا جديدا في الشعور لدى كل يمني، بما هي تذكرة لكل فرد ومكون في الشرعية، ولكل طرف في قوى الانقلاب..
السادس والعشرون من سبتمبر ليس مجرد يوم، بل تتويج لعقود طويلة من النضال والكفاح والتضحيات لشعب تواق للحرية، عاشق لعز الحياة وحياة العز، يرفض الاستبداد والاستعباد، واتفقت طبقته النخبوية على حمل همومه وآلامه، وتبني تطلعاته وآماله، فاتحدت من أجله، واصطفت لتحقيق هدفه، مكرسة له جهودها، متجردة عن كل ما يصرفها أو يشغلها عنه، حتى بلغت به المراد، ووصل بها إلى المقصد، فخلد التاريخ تلك التضحيات والنضالات على أنصع صفحاته.
للشعب اليمني العظيم أن يتغنى بمعجزة السادس والعشرين من سبتمبر وأنه صنع أشعة الضوء في جوف ذلك الليل المعتم، وتخلص من نظام سلالي يمسك بيمينه كل مقدرات القوة والسلاح والمال والثروة، مكرسا -فوق ذلك- فقر الشعب المدقع وحالة الجهل المطبق، ويرفع بشماله أكاذيب الاصطفاء الإلهي ومزاعم الاجتباء السماوي، مستغلا –فوق ذلك- عاطفة الشعب الدينية والجهل السائد..
وإن شعبا تجاوز في ثلاثينيات القرن الماضي كل تلك المعوقات من الضعف وقلة العدد والعتاد وكثرة الجهل والجوع والفقر والمرض، وامتلك كل تلك الإرادة والعزيمة والإصرار ليستمر في ثورته، باذلاً دونها الغالي والنفيس، متجاوزا إلى غايتها كل محاولات الكيد الرامية لتمزيق رايته باسم المناطقية والمذهبية وصور الترغيب والترهيب حتى تتوجت نضالاته وتكللت بالنجاح في الستينات، لهو شعب يستحق الإجلال والإكبار.. ومن جاء بعد نصف قرن يريد إلغاء هذه التضحيات، ونسف هذه الثورة، وعميت بصيرته عن رؤية هذا الماضي القريب، وعمي بصره عن رؤية الحاضر في الألفية الثالثة، ليتوهم القدرة على طمس كل هذه المآثر وإعادة التاريخ كل هذه المسافة، إنما يجدّف ضد تيار الحياة الهادر، ولهو جاهل بطبيعة هذا الشعب، مستخفّ بعلمه ووعيه وعدده وعتاده وآماله وتطلعاته، غارق في الوهم، سابح في الحلم، وما لم يستيقظ لنداءات العقل، فعمّا قريب يصحو على فزع هو وحلفاؤه ممن بلغوا السلطة بفضل الجمهورية، وبنوا القوة المسلحة باسم الجمهورية، وامتلكوا السلاح بأموال الجمهورية، ثم تملكوه وتنكروا للجمهورية وارتدوا يطعنون به ظهرها، غدرا وخيانة، وإنكارا لقيمها وأهداف ثورتها، وتنكرا لفضلها، واستخفافا بتضحيات شعب بأسره والأجيال المتعاقبة..
لقد غرر هؤلاء بأعداد من أبناء الجمهورية، ومارسوا بحقهم الخداع والتضليل، إلا أن كثيرا من هؤلاء لم تعد تنطلي عليهم الأكاذيب وأساليب الخداع، وما تزال كرامة الجمهورية تنبض فيهم، ولا يمكن أن يستمروا في طريق ينتهي بهم إلى العبودية والخضوع والمذلة، وهاماتهم التي نهلت يوما من الجمهورية لا يتوقع منها أن تستمر في الانحناء لتقبيل يدٍ "قطعُها أفضلُ من تلك القُبَل"!!