كل شيء في صنعاء يوحي بحدوث معركة وشيكة بين الحوثيين وشريكهم صالح. عملياً، سيحدد الحوثيين زمن الحرب مهاجماً، بينما لا يوجد خيار لدى الرئيس السابق المحتمي بحرسه الخاص وحلفاءه سوى الدفاع. لا تميل الحرب لتكهنات تحددها الآمال؛ بل ان الأكثر جاهزية واستعداداً هو الأقرب لتحقيق اهدافه. والسؤال لماذا الحوثي لا تخيفه اطروحة قيادات المؤتمر، ان شق الصف سيضعف جبهات الحرب الأخرى المدعومة من التحالف الذي تقوده السعودية؟
ولماذا يختار الحوثي هذا الوقت تحديداً لتصعيد غير قابل لنقطة العودة. فالواضح ان الحوثيين بعد مناوشات استمرت ساعات بشكل متقطع في منطقة حدة جنوب صنعاء، يعدون العدة لوضع صالح في كماشة. وهذا لا ينطوي على تخيلات دافعها المعتقد فقط، بل خفايا قد لا نعرف الكثير عنها الا من باب التكهن.
ومن وجهة نظري؛ فان واحدة من الاسباب، ظهور ملامح تسوية سياسية في افق الصراع، يرى الحوثي انها فرصة ليكون خلالها الممثل الوحيد لخارطة الشمال، وبصورة خاصة الخارطة القبلية التي تمثل جذور جغرافيته العقائدية. فهل سيكون صالح صيداً سهلاً بالنسبة لهم؟ ربما، اذا اخذنا الظروف التي ستختمر عليها معركة مرتقبة. وكما تحدث بعض ناشطي المؤتمر، قام الحوثيين بسحب بعض مجاميعهم من جبهات القتال الى صنعاء.
وهذا ستبين ملامحه ايضاً طبيعة الصراع في الجبهات، اذا ما اشتعلت المعركة. وهو بالطبع سياق تحدده نوايا السعودية التي تقود التحالف. بمعنى هل صارت مقتنعة تماماً بان ازالة صالح هدفها الاول، بصرف النظر عن اعتقادها بان الحوثي يشكل لها التهديد الاستراتيجي الاول.
وبالعودة الى حشود صالح يوم 24 اغسطس، اراد منها ايضاً ايصال رسالة بأنه مازال يحظى بشعبية وانه رقم صعب في المعادلة السياسية، لفرض نفسه في تسوية محتملة. وهي ستكون على الارجح تسوية هشة تطفو عليها حوافز حرب اكثر اصراراً.
غير ان صالح لا يبدو انه مستعداً تماماً، رغم خطاب تحدي افضى الى اقامة حشود ساحة السبعين، او انه في الحقيقة اقيم بعد مفاوضات وتدخل زعيم حزب الله حسن نصر الله، وكلله مهرجان المؤتمر بشكر خاص له. وفي المقابل، على الارض اكد الحوثيين حضورهم المسلح، لأن الحشود لا تشكل بالنسبة لهم قلق مادام لديهم وسائل الحرب الكفيلة بتحقيق الكثير من اهدافهم، إن لم تكن جميعها.
وفي استراتيجية واضحة، يبدو الحوثيين اكثر قدرة على الانتشار والتحرك بينما قوات صالح تبدو محصورة في قفص داخل صنعاء. أي ان لديها مساحة تحرك واسعة، بدءاً بمحاصرة مناطق تواجد قوات الحماية الخاصة بصالح في السبعين، اياً كان عددها، ثم قدرتها على التعزيز المستمر. فالاستراتيجية الاولى اطباق حصاراً عليها وتقييد حركة انتشارها. ثم ان لديها مرونة في الحركة كالكر والفر، بينما سيكون امام قوات صالح الثبات، بينما ستكون عرضة لصيد قناصات نشرها الحوثيين في دائرة واسعة.
وسنعود لنقطة في غاية الأهمية، كيف ان الحوثيين بدأوا بتدشين طقوسهم المألوفة لشن حربا تمكنهم من تحقيق اهدافهم بالسيطرة والنيل من خصومهم. يشنون هجوماً، وعند المفاوضات يضعون سقف مطالب عالية في أي اتفاق او تفاوض، حتى لو كانت تضحيتهم كبيرة، ثم سرعان ما يبدأون في الاعداد لجولة اخرى خارقين الاتفاق، ستفضي بالضرورة الى مطالب اعلى حتى يحققوا غايتهم. وهذا ما حدث في مواجهات وسط صنعاء مع موكب لنجل صالح، وتحشيد من الطرفين، اوقفه تدخل وسطاء، لكنهم كانوا يدركون تماماً ان خصمهم يريد باي طريقة تجنب حرب معهم ستحدث لا محالة.
لم يكتف الحوثيين بنشر قناصة، بل تبدو صنعاء مسرح استعراض لهم، يتحرك مسلحين وسط اطقم بحرية، ينشروا النقاط في محيط تواجد قوات صالح، في حدة وشارع الخمسين.
والحوثي لن يكتفي بذلك فقط، فهو مع ازاحته صالح عازم على تمثيل جهوية قبلية لطالما شكلت مركزية عسكرية وسياسية للاستحواذ على السلطة في اليمن. كما انه على الصعيد الاستراتيجي، لن يكون حصرها في صنعاء ومحيطها بالأمر الناجح، كونها منطقة جغرافية قادرة على فرض هيمنتها وربما شروطها في ظروف صعبة كالتي تشهدها اليمن في الوقت الحالي.
لم يتوقف الحوثي عن التصعيد في خطابه عكس المؤتمر الذي يميل لتهدئة يشوبها الكثير من الاحباط. فالجميع يدرك ان المعركة ستبدأ حتماً، لكن جميعنا نعرف ان الزمن سيختاره الأكثر تصعيداً. وصالح الذي اختار الحوثي حليفاً له للنيل من خصوم الامس، يبدو وحيداً للمرة الاولى في معركة حتمية.
ومهما اكدت الحشود ان صالح يمتلك شعبية واسعة خصوصاً في صنعاء، الا انها حشود يصفها الحوثيين بأنها "كغثاء السيل" بمعنى لا تعكس جاهزية قتالية. وها هم يوقعون اتفاقية في المساء، ويخرقونها نهار يوم اخر باعتداء على احد المقربين من صالح؛ انها كماشة يطوق بها الحوثيين صالح.