جبل شمسان حو الحارس الأمين للجوهرة الفريدة (عدن) .. يحيط بخاصرتها البحرية ممتدا بين مدينتي التواهي وكريتر على شكل نصف قوس يرتفع عاليا ليعانق السماء كما كانت جبال الأولمب في اليونان القديمة .. هنالك حيث انفردت آلهة الأولمب بخصائص ناسوتية تشمل الحب والحرب.. الخصوبة والجفاف .. وغيرها من الثنائيات الوجودية التصادمية ، والجبرية الضرورية في آن واحد .
جبل شمسان العتيد يختصر مثل هذه الأبعاد في افق للتخلي عن ميتافيزيقا التعددية اللاهوتية التي وسمت جبال العالم العالية ، فالأصل الأصيل في عقيدة اليمانيين التوحيد منذ التحاقهم بالملة الابراهيمية، وحتى الدخول في الاسلام طواعية ، والحضور الأفقي في معادلة الانتصار للدين الحنيف، ابتداء من الاوس والخزرج في المدينة المنورة، وحتى ميسرة الجند في الفتوحات والذين شكلوا ثمانين في المائة من جند الفتح الاسلامي بحسب ابن كثير، لكن الشاهد الأكثر سطوعا في نشر التوحيد الاسلامي تمثل في النموذج الرفيع للحضور الشامل في عموم شرق آسيا وافريقيا، من خلال متواليتي التجارة الأمينة والطرق الصوفية النابعة من وسطية اشعرية شافعية.
لا يوحي شمسان العتيد بهذه الابعاد فحسب، بل ايضا بعبقرية المكان الحاضن لسلسة من النبتات الدوائية المتربعة في قمته، وقد شاهدت قبل عقود خلت كيف يتم استخدام الأعواد النباتية الشمسانيةالجافة لمعالجة مختلف أنواع الالتهابات بعد غليها بالماء الساخن ، فيستحيل لونها احمر قانيا كما هو حال شجرة دم الأخوين السقطرية المعروفة .. لكن هذه النبتات الدوائية تترافق ايضا وضمنا مع قبائل من فراشات ويعاسيب نادرة تنبعث بحيواتها الخاصة بعد هطول الأمطار، وكثرة كاثرة من القوارض والثعابين التي عقدت مصالحة مكانية مع سكان اسفل الجبل من البشريين ، حتى انه يمكن القول أن الحياة البيولوجية لكائنات شمسان الحيوانية والنباتية تقف على مسافة إجرائية متباعدة عن الاختلاط بالبشر لحكمة لا نعرفها.
شمسان الممتد من الشرق إلى الغرب ليس مجرد حائط حجري كبير نراه من مناطق عدن الأخرى، ولكنه يخفي شاطئا ساحرا في الجهة الأخرى من الساحل الذهبي ( جولدمور) ، وهو بعذا المعنى لا يكشف إلا عن بعض سحره واسراره، فنحن لا نرى إلا وجها واحدا من عملة شمسان النادرة ، ففي الوجه المقابل غير المرئي وغير المعروف متوازيات حياتية ومعلوماتية وبيئية لا تقل بحال من الأحوال عن ما نراه ونألفه في شمسان الظاهر، فشمسان المستتر دوننا ودونه آكام وهضاب .
يطل شمسان على متوالية مدينية تمتد بين التواهي والمعلا وكريتر ، وبالمقابل يتمدد بأقدامه في سواحل جولدمور والمعلا ، وله في كل معسكر مكاني قدم وباع وذراع ، ففي التواهي الساحل الحاضن لأقواس قزح المبهرة، وخليج الفيل المميز باطلالته النحتية الطبيعية، وفي المعلا امتداد الميناء الكبير القادم من عمق التواهي ليتصل بميناء المعلا الاشهر، ثم يصل اليابسة بالميناء التاريخي عند (دكة الكباش) ، وفي كريتر تنحدر صهاريج الطويلة التاريخية من قمته الخاصة المخصوصة لنرى فيها ومنها عبقرية الترشيد للمياء المطرية السنوية وهندسة البناء التاريخية الفريدة .
شمسان لا يتوقف عند تخوم الوصف المكاني العام على أهميته ، بل يتصل بموسيقى الطبيعة ليدوزن حركة المياه والرياح ، ولينتشي بأسراره صوب القيم المشهدية البصرية العدنية، المنغومة بتناوب المياه الزرقاء مع الأثير الملون، واليابسة المتناثرة كقطع نرد قادم من متاهات اللا مكان واللا زمان .
* من حساب الكاتب على موقع "فيسبوك"