ينتابني حس بالخيانة لمجموعة من الصحفيين إذ تركناهم لجماعة تحاكمهم بلا قانون، حتى إنني لا أعرف على ماذا يستند القضاء الذي يمثل أمامه المنصوري وأصدقاؤه.
الدستور الذي تم بموجب تعطيله تعيين نائب عام وقضاة وإقامة دعوى؟ أم أنه الإعلان الدستوري هو ما يحدد عقوبة مجموعة صحفيين اعتدوا بالكلمة على المليشيا التي أصدرت الإعلان هذا واعتدت على دولة بلد وعلى سيادته وهويته، وحولت مقرات الصحف لمقايل للمقاتلين وصادرت المطابع والعناوين وحق الرأي، مستحوذة على حق إخراس الصحفي وحق محاكمته، هكذا دونما حاجة لتهمة حتى، ذلك أن طبيعة عمله في الصحافة تهمة، وانطوائه على رفض المليشيا وما تتمثله من عدائية تاريخية هي تهمة، والجماعة التي انتزعت منك دولتك وعملك وعمودك الصحفي وراتبك وجعلتك تمضي حياتك في سجن كبير كان وطنك يوما، هي من تحاكمك بتهمة تهديد الوطن.
المنشورات التي يعتمدون عليها في امتلاك حق تغييب المنصوري وزملائه لأكثر من سنة هي التعريف الأمثل لمزاج عصابة لم تعد تحاول حتى لعب دور دولة بديلة، فهي لم تعد في حمى اندفاعتها العدائية لم تعد بحاجة حتى للمظاهر الخارجية لفكرة الدفاع عن الوطن، إن تهمتك كيمني هي في كونك قد وصلت للمرحلة التي عليك فيها التحلي باليأس من جماعة تحرمك حتى من تلفيق التهم مراعاة للبرتوكول، وتجردك من التفكير في انطوائها على استراتيجية تعايش مستقبلي يمكنك الضغط عليها بهذه الفكرة المستقبلية ولو لحماية الضحايا بالنوايا المستقبلية في قضية بلا قانون.
لم يدع لنا الحوثيون حتى تلك المساحة من الرهان على فكرة الغفران والتعايش أو تمثل شخصية غاندي أو مانديلا وهما يعتمدان قانون المستبد نفسه في انتزاع حقوق ولو تكتيكية لمن وقع في قبضته على أنهم ليسوا وحدهم من يقوم بعمليات التغييب والمحاكمات، شريكهم شريك في كل الجرائم، غير أنهم الأكثر حماسة وجاهزية لجعلها حصرية باعتمادهم الجانب الترهيبي في كل عملية وبمزاج أقرب لقصدية "ادارة التوحش" وقضية الصحفيين هذه تحديداً وكثير من قضايا المداهمة ينفردون بها في سياق توحش حصري وبضمانة وخبرة شريك كان يوماً دولة يدرب عصابة كأنها لم تعد تحتمل أعباء ادعاء حلم الدولة.
نحن في وضعية انكشاف كلي ، وتشوش عاطفي وأخلاقي ، لا معيار لتحديد ماهية الانحراف الوطني ولا قانون ولا دولة تمنح جهة حق تمثيل مصالحها، وما من قانون يعاقب الضحية على صراخها، لكن العصابات وحدها من تعاقب الضحايا وتحاكمهم على صراخهم بدلاً من مواجهتها بالبنادق.
كان المنصوري ونحن في مقر الصحيفة - أيام كان معنا صحف - كان يشرغ بالدمع وهو يفتتح كل جلسة بنشيده الوطني اليومي: موطني موطني ، هل اراك هل أراك ،، سالما منعماً وغانماً مكرماً؟
كيف تراك الآن يا منصوري ؟ أما الوطن وخلال عامين من وجودك في الظلمات فليس سالماً ولا مكرماً ولا بخير بأي حال، وأوجاعه يا منصوري هي أوجاعك. وبينما تخضع وزملاؤك للمحاكمة لا يسعه الترافع عنكم بغير جملة منتزعة من العرف الإنساني وليس من مراجع القانون:
اوقفوا هذه المهزلة اللاقانونية لنتمكن مستقبلا من العيش معا في دولة يحكمها القانون لا الغلبة.