بعد المغرب استوقفت تاكس في وسط الرياض، الشوارع مزدحمة وبالكاد تجد من يقلّك ، توقف لي تاكس يقوده رجل كبير في السن ، أعطيته العنوان ، سالته بكم المشوار ؟ قال ب30 ريال .المبلغ اكثر من هذا في الأيام العادية ، لكنه بدا كمن تستوطنه القناعة منذ زمن .
رجل سبعيني ، ملامح العمر محفورة على وجهه وما يزال يعمل في وسط اجواء كهذه ، كانت انفاسه تصعد بقوه وبصعوبة ايضا ، فاتحته : انت باكستاني من بيشارو والا من لاهاور؟ لا من اسلام أباد .اجاب .
أحببت ان أتكلم معه لنتغلب على الإزدحام الكئيب من جهة ولأعلم سرّ هذا الرجل الكبير ايضاً ، انتم في العاصمة معكم فلوس كتير ..انتو الحكومة؟ ابتسم بهدوء .تكلمنا عن برويز مشرف وعن بنظير بوتو والسند والبنجاب وبشتون وعن كشمير وإيران والهند وعن خالد الجعفري صاحب البلاد الذي يدرس في كراتشي .
لأول مرة اجد شكلاً مهيباً وجليلاً مكللاً بهذا الوقار الى هذا الحد ، مرت ساعة وأكثر في الطريق ونحن نتكلم، وفي الطريق صادفنا مسجد يقيم صلاة العشاء ، فجأة توقف ، أخبرني انه علي ان اكمل المشوار مع احد آخر .أومأت له بالموافقة .
دخل الى الجامع ولحقته دون أن يشعر بي ، صلينا العشاء ، أخذ نفسه الى ركن المسجد وصلى الوتر ، كان يقوم من السجود بصعوبة كبيرة ، بعد ان انتهى من الوتر، جلس على ركبتيه وبدا يدعو ، شعرت ان السماء تهتز من ذلك الشيب الابيض والظهر المنحني ، تذكرت جدي الذي يؤم جامع القرية منذ ٤٠ عاماً .
بعد انتهى من الصلاة وانا ارقبه من بعيد ، تقدمت اليه وصافحته ، صافحني بحرارة ، بادرته بالسؤال: كم عمرك ؟٦٨ سنة . كم سنة بالسعودية؟ : ٢٥ سنة .
عندك اولاد؟ ٥٥ بنات كبيرات ، كان يبدو اكثر بشاشة بعد الصلاة وأكثر نورانية وبهدوء وطمأنينة كأن تلك الصفات عجوز باكستاني بلا أولاد ويعمل سائق تاكسي في شوارع الرياض المزدحمة ويطلع الفجر قبل ان يكمل مشواره الثاني ، كأن العمر مشوار ينتهي بِنَا في الطريق ونحن لم نصل وجهتنا بعد .
من صفحة الكاتب على فيسبوك