قبل أن يتخذ الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي قراره الشجاع بإقالة مسؤولين محسوبين على أبو ظبي، عقد اجتماعا لمجلس الدفاع الوطني.
كان ذلك مؤشرا على أن جزءا من الصراع الذي يدور في اليمن يتخذ مسارا مثيرا للاشمئزاز، حيث تحول جزء من معركة التحالف صوب كل محاولة يبذلها الرئيس وحكومته لتطبيع الأوضاع في العاصمة المؤقتة عدن، إلى حد تعذر معه الاحتفاظ بهذه المدينة عاصمة لليمنيين، وملاذا للسلطة الشرعية.
فلم يتبق للرئيس وحكومته سوى الذهاب إلى الرياض، يا لها من مهزلة!
وهكذا، يفترض إعادة طرح السؤال الملح في هذه المرحلة على وجه الخصوص، كيف يتحول وزير دولة في الحكومة الشرعية وبلا مهام واضحة، مثل هاني بن بريك، إلى طعنة في خاصرة الحكومة؟
وكيف يتحول عيدروس الزبيدي المعين من الرئيس محافظا لمدينة عدن، التي يُنظر إليها على أنها عاصمة مؤقتة لليمن، إلى رأس حربة ضد السلطة الشرعية في المدينة، ومقاتل شرس من أجل تقويض سلطة الرئيس، باعتباره رئيسا لليمن؟
لا يوجد قاسم أيديولوجي مشترك بين الوزير بن بريك والمحافظ عيدروس، فالأول سلفي محسوب على مدرسة الوادعي في دماج، ويتمتع بقدر كبير من الانتهازية، والثاني عسكري حراكي محسوب على إيران.
وبنى قوة قوامها ألفي مقاتل بدعم إيران، وفقا لما صرح به نائب الرئيس اليمني الأسبق، علي سالم البيض المقرب من إيران في، لقاء له مع قيادات جنوبية في الرياض منتصف 2015.
ويبقى أن الذي يجمع هذين الرجلين هو الولاء المشترك لأبو ظبي، القوة النافذة الجديدة في عدن والجنوب، التي تنحرف بشكل واضح عن أهداف تدخل التحالف في اليمن.
بالنسبة لضاحي خلفان، القائد السابق لشرطة دبي، الذي يغرد دون توقف منذ يومين على حسابه في "تويتر"، فإن الرئيس هادي لم يعد مناسبا للبقاء في منصبه على خلفية قراري الإقالة اللذين طالا شخصيتين محسوبتين على أبو ظبي.
الجديد في ما يذهب إليه خلفان، هو أنه يضع حدا للعب من تحت الطاولة الذي استهدف الرئيس هادي طيلة الفترة الماضية، عبر ترتيبات كان يراد منها أن تدفع بالرئيس إلى التوقيع على صك نهايته السياسية، وهو السيناريو ذاته الذي واجهه الرئيس عندما كان محاصرا في صنعاء، وتجاوزه بنجاح.
يمكننا اليوم أن نعيد تقييم مبادرة كيري التي أعلنها من أبو ظبي منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، التي تضمنت رغبة أمريكية مدعومة من مسقط وأبو ظبي، لنقل سلطة الرئيس إلى نائب توافقي لا يهم إن كان ميالا للانقلابيين، المهم هو أن يزاح هادي من المشهد.
لا يتحدث ضاحي خلفان، في معزل عن رضا القيادة في أبو ظبي، فقد تحول هذا الرجل طيلة الفترة الماضية، إلى مؤشر مهم على المزاج السياسي وعلى المواقف التي تصدر عن القيادة الإماراتية تجاه قضايا المنطقة.
ليس كل ما يأتي من الإمارات سيئا فقد قدمت الكثير لليمن، والمشكلة تكمن اليوم في المنحى الأيديولوجي الذي بات يطبع سياسة هذه الدولة التي تمتعت في عهد مؤسسها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان يرحمه الله، بانسجام في علاقاتها مع الدول العربية ومع دول العالم الأخرى.
نظر اليمنيون بإعجاب شديد للإمارات ولجيشها، منذ بدء تدخل التحالف العربي، وكتبوا قصائد في مديح الكابتن مريم، وهي أول امرأة إماراتية تخوض مهام قتالية بواسطة طائرة مقاتلة حديثة في اليمن، بعد مشاركة لها في كل من العراق وسوريا.
لا يستطيع اليمنيون أن ينسوا التضحيات الكبيرة التي قدمها جيش الإمارات في بلادهم، ولكنهم لا يستطيعون فهم ما يجري اليوم.
فبعد أن تمكن التحالف والمقاومة من طرد الانقلابيين من معظم المحافظات الجنوبية، بدا واضحا أن المهمة الإماراتية وربما مهمة التحالف انتهت، على المستوى البري، عند الحدود الشطرية السابقة..
وأن خطاب الانفصال يترسخ بقوة وبثقة كاملة على حساب كل الذين قاتلوا ببطولة دفاعا عن الخيارات المعلنة وهي استعادة الدولة وهزيمة الانقلاب.
من المؤسف حقا، أن الإمارات ترسخ حضورها في اليمن باعتبارها جزءا من مهمة أمريكية خالصة لمكافحة الإرهاب، ربما اقتضت في الفترة الأخيرة أن تتجاوز الحدود الشطرية لمواجهة تحدي الحوثيين في جنوب البحر الأحمر لتصل إلى المخا.
والأمر هنا له علاقة بسلامة الملاحة وتحجيم التهديدات الحوثية في منطقة حساسة كهذه، وليس جزءا من عملية شاملة لتحرير البلاد من قبضة الحوثيين.
لم يعد الدور الإماراتي الملتبس مصدر خطر على مشروع الدولة الاتحادية في اليمن، بل أيضا على المهمة السعودية في اليمن، فقائدة التحالف، تواجه تهديدا وجوديا مصدره الأساس إيران وتوابعها في المنطقة.
وتهديد بهذا الحجم لا أعتقد أنه يحتمل هذا التخندق الحاد وراء الكراهية المطلقة لحزب الإصلاح في اليمن، التي قادت إلى ممارسات خطيرة للغاية، وأفقدت اليمنيين الإحساس بالأمان، والشعور بالأمل حيال مستقبل بلا تهديدات، كالذي حلموا به منذ اللحظات الأولى لانطلاق عاصفة الحزم.
*عربي21