في مثل هذه الليلة ، قبل عامين ، عدت الى شقتي في شارع الستين وسط صنعاء ، تسكني غصة البلاد ، التعب يجثم على صدري مثل صخرة ذات أنياب حادة ، نمت باكراً ، استيقظت بعد منتصف الليل ، أيقظتني إنفجارات هائلة تهز المدينة وتخترق الجدران وتفاقم وحشة الظلمة .
قفزت إلى لابتوبي الشخصي أبحث عن خبر عاجل ، الانترنت بطيء جداً ، لا يسمح لي حتى بفتح صفحة واحدة على الانترنت ، أخذت الجهاز وصعدت الى السطح ابحث عن خبر ، انا الذي قضيت النهار كاملاً امدُّ المتابعين بالمستجدات وبعد منتصف الليل صرت ابحث عن خبر قصير يجيب على كل هذا الغموض القاتل .
وانا منهمك في البحث ومصارعة جثة الانترنت ، أتلقى اتصالات من أصدقاء لي ، يسألونني عن الحدث ، كنت أبادرهم بالسؤال ذاته ، مثل الأطرش في الزفّة ، لا نعلم ما الذي يحدث ، قبل ان أتلقى اتصالا من القرية يخبرني بإعلان السعودية بدء عمليات عسكرية للتحالف العربي لاستعادة الشرعية باليمن ، صارت القرية تمد المدينة بالاخبار ، وبخبر خارق للعادة ، العدوان الخارجي الحبيب يدك مواقع العدوان الداخلي ، حسب تعبير الزميل سلمان الحميدي .
في الاتصال الثاني كان صديق لي على الهاتف ، تعرض لتوه للإذلال من أقاربه الحوثيين ، ينتمون جميعا لأسرة هاشمية ، هو ليس حوثيا ، لذا اعتبروه داعشياً ، بدؤوا بمعاقبته ، أخذوا زوجته وابنه المولود وتركوه وحيدا يصارع البؤس والوحدة وسط صنعاء ، قال لي بصوت مقهور وخافت يخترق أصوات الانفجارات" آمنت بالله !"..تبادر الى ذهني أنينه وهو يحاول مراجعة من ركبتهم "الانتفاشة "بحسب تعبير السياسي اليمني المختطف في سجون الانقلابين قحطان، حاول معهم ان يعيدوا أسرته الصغيرة وعشه الصغير ، لكن كل المحاولات لم تفلح ، آذوه فوق التصور ، ولذا كان مبتهجاً بالعاصفة مثل مولوده الأول ، هناك الكثير ممن احتفلوا بالتدخل العربي حتى وهم في سجون الانقلابيين ، صاحبي كان في سجن كبيير ، كانت الارض سجنه الكبير وصنعاء زنزانته الضيقة .
لم يعد لدى اليمنين شيئاً من مقدرات الدولة قبل ٢٦ مارس ، أجبر الضباط وقادة الطائرات الحربية والعاملون في المؤسسات الحكومية من غير الإماميين على مغادرة صنعاء والمدن الرئيسة التي باتت تحت سيطرتهم ، عادوا الى منازلهم وتم تعيين بدلا عنهم في اكبر عملية تسريح جماعي تشهدها اليمن .
قبل ٢٦ مارس كنت أشاهد العربات العسكرية تخرق شارع الستين وسط العاصمة ، تسير وكأنها تخلع الأسفلت باتجاه الطريق المؤدية الى عمران ، كل شيء ينتقل إلى صعدة واحياء خارج العاصمة ، لم يتبق شيء بيد أهل البلاد سوى احزان البلاد واوجاعها ، تتمزق أبصار وافئدة المتفرجين من الناس وهم يشاهدون بلادهم وأحلامهم تساق الى أوكار الإماميين الجدد .
في اليوم التالي ، بدأت عربات عسكرية وأطقم تجوب شوارع الأحياء بحثا عمن يسمونهم "اصحاب الشرائح " ، في جوالي ثلاث شرائح ، كنت استخدمهن في محاولة لإيجاد توازن بين شركات الهواتف النقالة باليمن ، كنت أظن ان الألف الريال بامكانه ان يحدث توازنا بين ميزانيات ثلاث من اكبر شركات الهاتف النقال ، لم أكن اتخيل أنهن مصدر اتهام بالعمالة ، كسرتهن ومضيت اشاهد اقتحامات بعض البيوت المجاورة واستمع بحزن لصراخ الأطفال الذين تم اقتياد اخوانهم وآبائهم الى السجون ، كانت المقاتلات تدك حينها مواقع الحوثيين وصالح في صنعاء ، والحوثيون يدكون منازل المواطنين في الحارات والقرى والمدن ..في حلقة مستمرة حتى اليوم مع بدء العام الثالث لذكرى انطلاق العاصفة المباركة.