ليس سرا رغبة الحكومة (الشرعية) مواصلة الضغط على الساحل الغربي لليمن وصولا من المخا إلى الحديدة، وهو هدف إستراتيجي ترى أنه إن تحقق سيسهم في تسهيل إدخال المساعدات الإنسانية، كما تتوقع أنه سيحرم قوى الانقلابيين في صنعاء من موارد هامة كانت تجبيها من رسوم غير قانونية لإدخال البضائع، وللتحكم في انسياب المساعدات الإنسانية والطبية، بالإضافة إلى التحقق من عدم استخدامه لتزويدهم بأسلحة ومعدات عسكرية، والغاية منطقية ومطلوبة لولا إن الحكومة تخفق في ترتيب الأوضاع داخل المناطق التي تقع تحت سيطرتها.
في صنعاء تستثمر القوى الانقلابية سيطرتها على مداخل العاصمة لجباية رسوم غير قانونية تفرضها على البضائع التي تصل إلى ميناء عدن ويدفع فيه التجار الرسوم المطلوبة منهم، وكل هذا سيتم تحميله على المواطن والموظف البائس الذي لم يستلم مرتباته من فترة طويلة بسبب الصراع الدائر ومحاولات الاستحواذ على مصادر القوة ويدفع أثمانه يوميا اليمني البسيط وحيدا، بينما ينعم كثير من قادة الطرفين بحياة أفضل حالا، وتكتفي الحكومة في عدن بتشكيل لجان تحقيق حول وفاة مواطنين جوعا بينما تختفي قوى الانقلابيين في صنعاء بتجاهل مجاعة الكثيرين ومعاناتهم.
الصراع الدائر تنعكس آثاره على المواطنين الرازحين تحت فوهات المدافع، وجسدت تعز المثال الفاضح للهبوط الأخلاقي والتدني في مستوى التنافس الحزبي، وما يفاقم من سلبيته هو استسلام بعض القيادات المحلية للقرار الذي تسيطر عليه شخصيات بعيدة عن الأرض، وكانت القرارات الأخيرة لتعيينات غير ضرورية أشبه بتقاسم تركة الرجل المريض، وتم توزيع المناصب بين الأحزاب التي تعمل تحت عباءة الشرعية، وجاءت تعبيرا عن حقيقة الحرب الدائرة، وما يدور في تعز يمثل الصورة الواقعية لما يدور في اليمن، إذ لا يجوز التعبير عنه بخارج مفردات صراع عسكري بين قيادات تريد استعادة نفوذها وقيادات جديدة أفرزتها الحرب وتبحث عن حصتها، وأخرى تتصور أنه حقها الإلهي الذي اغتصب منها في ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢، وكذا أصبح حصار تعز الظالم ورقة سياسية يستغلها المتحاربون فيرى طرف أنها تدين الحوثيين، بينما يعتبره الحوثيون ورقة تساعده في الحصول على تنازلات في رقعة جغرافية أخرى، وفي الحالتين تتوارى المسؤولية الأخلاقية لهما خلف جدران كثيفة من المصالح الذاتية والحزبية ويدفع أبناء تعز الثمن الباهظ قصفا وتدميرا ودماء وحقدا وكراهية، وقبل أيام حدثتني مواطنة من تعز كيف تضطر السير لساعات طويلة لعبور مسافة لا تستغرق في العادة أكثر من عشر دقائق، وكان ذلك مثيرا للحزن لكن الأكثر مأساوية أنه صار مسألة يخضع لها الناس.
موقف الحكومة (الشرعية) حول استمرار إغلاق مطار صنعاء ومحاصرة الحديدة يعيد إلى الذاكرة حالات الحصار، حيث عانى المواطنون وحدهم من نقص الغذاء والدواء، بينما بقي الآخرون يعيشون في رغد من العيش ولم يعانوا من نقص من الغذاء ولا الدواء، في حين دفع الناس الثمن لوحدهم، ولعله من المفيد والمهم جدا أن تتعامل الأمم المتحدة وسلطة صنعاء مع مقترح قيادة قوات التحالف العربي الذي يتيح إخضاع ميناء الحديدة (وربما لاحقا مطار صنعاء) لرقابة دولية مباشرة تسمح بتشغيله وفي نفس الوقت استبعاد سيطرة سلطة الانقلاب عليه، وأدرك أن الحوثيين يعتبرون الميناء موردا يصعب الاستغناء عنه، إذ يرفدهم بدخل مالي ضخم يستخدمونه لأغراضهم الخاصة إلا أن الحقيقة الثابتة هي غياب المسؤولية عند القيادات المحلية، وكان غريبا الرفض الفوري الذي أبدته المنظمة الأممية للمقترح.
صار اليمنيون البسطاء عاجزين بين حصار تعز وإغلاق مطار صنعاء واقتراب ميناء الحديدة من معركة حاسمة، وليس بمقدور أحد كبح جماح صراع ظاهره الوطن وباطنه السلطة، بينما قادة الحرب الأهلية لا يكترثون كثيرا لمعاناتهم وأحزانهم.