منظمة أوكسفام البريطانية (يدير مكتبها في اليمن الهندي سجّاد محمد ساجد) مثال حي على عدم الوفاء لمبادئ وقيم الحياد والاستقلالية في العمل الإنساني. ففي سوريا، لم تصدر «أوكسفام» أي بيان أو تقود مناصرة إعلامية حول قتل النظام وحلفائه لقرابة نصف مليون مدني بريء بالصواريخ والغازات السامة، بينما تسخِّر نفس المنظمة في اليمن كل إمكانياتها لتكون الذراع الإعلامي والحقوقي لميليشيا الحوثي المسلحة منذ عامين. وفي طبيعة هذه الأنشطة السياسية مخالفة صارخة لقانون منظمات المجتمع المدني اليمني التي تخضع المنظمة لأحكامه.
تتورط منظمة «أوكسفام» سياسيًا بشكل مفضوح ومخجل في دعم جماعة الحوثي إعلاميًا وترفع دعاوى أمام البرلمان بهدف حشد الرأي العام الدولي من أجل إبقاء الميليشيات المسلحة التي دمرت مدنًا بأكملها، وهي بذلك تقف ضد قرار مجلس الأمن 2216 ومقررات الحوار الوطني المجمع عليها شعبيًا.
وكانت آخر الأنشطة السياسية التي نفذتها المنظمة هي إيفاد عضو في مجلس العموم البريطاني عن حزب المحافظين الحاكم لليمن منتصف الشهر الماضي، وللتستر على النشاط جعلت زيارته «تحت الضيافة الرسمية للأمم المتحدة». وكانت أهم أهداف دعمها لزيارته هو تجميل صورة جماعة الحوثي «سياسيًا» لدى المجتمع الأوروبي والبريطاني تحديدًا دون أن يتطرق لأي جريمة مارسها الحوثيون ضد الشعب اليمني.
وبالرغم من أن المبرر الرسمي لهذه الزيارة إنساني إغاثي، فإن مخرجاتها سياسية بحتة تجلت في مقال للنائب نشر بتاريخ 24 يناير (كانون الثاني) أشار فيه إلى لقائه ببعض قيادات الانقلاب (علي عبد الله صالح وصالح الصماد)، ودافع فيه بقوة عن جماعة الحوثي بقوله إن «قوات الحوثيين الآن يسيطرون على صنعاء - بدعم من حزب المؤتمر الشعبي العام، وقد جلبت السلام والاستقرار إلى العاصمة، وتظهر علامات التأييد الشعبي الكبير لها لأنها على الأقل تمكنت من معالجة عناصر الفساد»!
أنا كيمني، عملت مع واحدة من أهم المنظمات الدولية المعنية بمكافحة الفساد في العالم (منظمة الشفافية الدولية)، أؤكد أن الفساد الذي مارسته الميليشيا خلال عامين فقط منذ سيطرتها على صنعاء في 21 سبتمبر (أيلول) 2014، لم يمارس في تاريخ اليمن الحديث على الإطلاق، وبسبب فسادهم وصل البنك المركزي إلى مرحلة الإفلاس ووصل عدد المحتاجين للاغاثة إلى 80 في المائة من السكان بحسب تقديرات أممية. فعلى سبيل المثل، أي فساد مالي يعادل إصدار الجماعة قرارًا «رسميًا» بتسخير كافة موازنة شعب فقير لدعم توسعها العسكري جنوبا؟! يقول النائب بأن جماعة الحوثي، التي تنهب المساعدات الإغاثية وسخرت كل إمكانيات وزارتي الصحة والتعليم لشراء السلاح ومقابل حشد الأطفال للقتال، تمكنت من معالجة عناصر الفساد!! وهذه شهادة غير دقيقة بل غير مسبوقة ويخجل أنصار الحوثي أنفسهم أن يرددوها بل ويعترفون مرارًا بأن ممارسات الفساد زادت أثناء حكمهم وهو ما أكده مؤشر مدركات الفساد 2016 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، حيث حصل اليمن على 14 درجة من 100 بعدما كان قد تقدم حتى الدرجة 19 في العام 2014، بمعنى أن موقع اليمن تراجع بواقع خمس درجات ليكون اليمن في زمن الحوثي من أكثر دول العالم فسادًا.
يقول النائب أيضاً إن «المتمردين الحوثيين لا ينبغي أن يُنظر إليهم بصورة سلبية - ولا كعملاء لإيران»، و«على بريطانيا والمجتمع الدولي أن يبتعدوا عن شيطنة الحوثيين، وعدم نعتهم بالتبعية لإيران. فهم ليسوا كذلك». يراد من ذلك تضليل المجتمع الدولي وتكذيب عشرات التقارير الدولية والأممية بتلقي الجماعة الدعم السياسي والعسكري (سفن السلاح والتدريب) والإعلامي والمالي المقدم من إيران والمثبتة بالدلائل والبراهين!
كان بإمكان البرلماني الذي يعمل لصالح منظمة «أوكسفام» وزار اليمن تحت الضيافة الرسمية للأمم المتحدة، أن يطلع على تقارير مكتب الأمم المتحدة في اليمن حول الوضع التمويني من الخارج إلى اليمن والذي تفصح فيها عن أعداد السفن التي ترسو في الموانئ اليمنية محملة بمختلف السلع الغذائية والاستهلاكية والوقود بعد تفتيشها من قوات التحالف العربي. ليت النائب لو تحدث عن بطء عملية تفتيش السفن من قبل التحالف العربي ما يؤخر وصول السلع إلى الموانئ اليمنية.
وعن القرار الأممي 2216 الذي يجمع عليه كامل المجتمع الدولي، طالب البرلماني البريطاني بضرورة «الوصول إلى وقف إطلاق النار ومفاوضات وإيجاد بديل لقرار الأمم المتحدة 2216 مع دعم بريطانيا كونها تُعتبر قلم الأمم المتحدة فيما يتعلق باليمن»، وهذا يعني إلغاء القرار 2216 واستمرار وجود الميليشيا في المدن والمؤسسات وعدم إعادة سلاح الجيش المنهوب، واستصدار قرار أممي جديد يضمن شرعنة جرائمها واستمرار عنفها.
كثيرة هي الأنشطة التي نفذتها «أوكسفام» في السابق التي تدعم بها جماعة الحوثي في الدول الغربية، لكن أنشطتها القادمة أكثر وربما سنخصص لها مقالات أخرى قادمة، لكن المهم هنا هو، ما الذي يجب أن تقوم به الحكومة الشرعية أمام استمرار أنشطة منظمة «أوكسفام» الإعلامية غير الحقيقية، إذ ينبغي عليها التحرك دبلوماسيًا وإعلاميًا على المستوى الدولي وميدانيًا على رقعة المعركة نحو تجميد الأنشطة الإعلامية العسكرية التي تنفذها «أوكسفام» بعد أن كشف مقال النائب عن الطبيعة السرية وطبيعة الخطط المستقبلية لـ«أوكسفام» التي تسعى لاستبدال القرار 2216 (أهم نقاط القوة للحكومة الشرعية) وأكبر ضمانات استعادة الدولة المدنية .
مُقابل الحملة الإعلامية التي تقودها منظمة «أوكسفام»، يجب على الحكومة اليمنية وحلفائها تنفيذ حملات إعلامية ودبلوماسية موازية لمواجهة تأثير «أوكسفام» التي بدأت تؤثر على عمل قيادات الأمم المتحدة العاملة في اليمن الذين بدأ بعضهم بالتعامل مع قيادات حكومة الانقلاب خارج أطر الشرعية الدولية والأممية والقانونية ومنها القرار 2216، وكافة مخرجات مجلس الأمن بشأن اليمن.
* "الشرق الأوسط"