زينب غاصب
في الوقت الذي تنتهك فيه حقوق النساء، وتتكالب عليها أفواه المتمشيخين وأدعياء العلم، شتماً وقذفاً وتجهيلاً وتحقيراً لشأنها، وتهمشاً لحياتها، وتشويهاً لصورتها، يرسم لها الإسلام صورةً مشرقةً منذ العصر النبوي وحتى أواخر الدولة العباسية، وفي عهد الدول المستقلة عن الخلافة العباسية والأُموية في الأندلس، لم يحطّ من شأن المرأة سوى العهد العثماني، الذي كان يستلذ بالعبيد والجواري، ومع ذلك فقد ظهرت نساء فضليات في العلم والثقافة، وإنشاء المدارس.
وفي العهد الأُموي كان لسكينة بنت الحسين رضي الله عنها صالون يحضره الشعراء والأدباء والمثقفون، وكانت تقوم بالتحكيم بين الشعراء وتنقد الشعر، ولم يعترض عليها الفقهاء والعلماء الذين كان يعج بهم ذلك العصر، وكان لولاَّدة بنت المستكفي من أواخر الخلفاء الأُمويين في الأندلس صالون مثل الذي كان لسكينة بنت الحسين في المدينة المنورة.
لقد ذكر الكثير من الفقهاء والعلماء أفضال النساء عليهم في التعليم والتتلمذ على أيديهن، وذكروا ذلك في أسانيدهم، فتكرر لديهم عبارات أخبرتنا فلانة ويذكرونها بالاسم، أو سمعنا من فلانة، ويذكرون النساء اللاتي أجازوهم في علم من العلوم (بمعنى أعطوهم شهادة في العلم الذي تلقوه على أيديهن) ويفتخرون بذلك، منهم الخطيب البغدادي صاحب كتاب تاريخ بغداد، والحافظ ابن عساكر صاحب كتاب ترتيب الصحابة في مسند أحمد، وابن حجر العسقلاني صاحب كتاب فتح الباري في شرح صحيح البخاري، وتقي الدين الفاسي صاحب كتاب العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين، والسخاوي صاحب كتاب القول البديع في الصلاة على الحبيب، وابن حزم الأندلسي، صاحب المذهب الظاهري وطوق الحمامة، وابن عبدربه الأندلسي صاحب العقد الفريد، وغيرهم من العلماء الموسوعيين، ويقول ابن حجر العسقلاني إنه أخذ العلم من أكثر من 50 امرأة، اشتهرن بمختلف المعارف، ويذكر السخاوي أنه أخذ العلم عن زوجة ابن حجر العسقلاني (أُنس بنت عبدالكريم)، ولم يمنع العسقلاني وزوجته أنه يتنافسا في التعليم، مع العلم أن العسقلاني وزوجته عاشا في القرن التاسع الهجري، بينما نحن نعيش في القرن الـ21 نجد من بعض الرجال وبعض مدعي العلم من ينظرون إلى المرأة على أنه لا يحق لها الرأي، ولا أن تتجاوز في ثقافتها أمور دينها، أو تتبنى قضاياها، أو تسهم في حل مشكلات مجتمعها وحياتها.
أما ابن حزم صاحب المذهب الظاهري، الذي يأخذ بظاهر النص والسنة، ويعمل به المسلمون إلى الآن في إسبانيا، فقد نشأ في عصر تفشى فيه الشذوذ الجنسي، فخاف عليه والده فعهد به إلى النساء في تعليمه، وتثقيفه، فتلقى على أيديهن القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم وعلومه، وهو ما كان له أثر في صقل نفسيته ورهافة حسهكما يقول المؤرخون في كتابتهم عنه، ويذكر هو أثر هذه التربية في تكوين شخصيته في كتابه طوق الحمامة، فيقول: «لقد شاهدت النساء وعلمتُ من أسرارهن ما لا يكاد يعلمه غيري؛ لأني ربيت في حجورهن، ونشأت بين أيديهن، ولم أعرف غيرهن، ولا جالستُ الرجال إلا وأنا في حد الشباب، وحين تفيّل وجهي -بمعنى زاد شبابي-، وهن من علمنني القرآن وروينني كثيراً من الأشعار ودربنني في الخط، ولم يكن وكدي وإعمال ذهني منذ أول فهمي وأنا في سن الطفولة جداً إلا تعرف أسبابهن والبحث عن أخبارهن وتحصيل ذلك لا أنسى شيئاً مما أراه منهن»، بمعنى أنهن سبب في توقد ذكائه. ابن حزم ألفّ في السُّنة والفقه والفلسفة، ومدحه ابن تيمية، ولم يأخذ عليه إلا تعاطيه الفلسفة؛ لأنه يحرمها.