ريــا أحـمــد
(1)
تقوم بتمشيط شعر صغيرتها، ترتّب لها الزي المدرسي وتجهّز لها الفطور، تعطيها الحقيبة المدرسية وتوصلها إلى الباب، تقبّلها وتودّعها وتراقبها من النافذة وهي تلوّح لها بيدها الصغيرة من نافذة الحافلة المدرسية؛ لم تتوقّع أنه الوداع الأخير..!!.
(2)
تتذمّر الصغيرة لا تريد الذهاب اليوم إلى المدرسة، تشعر بالبرد وتريد أن تبقى في الفراش، تداعبها الأم وتنجح في إقناعها بأهمية الذهاب إلى المدرسة، تحرص على أن تجعلها ترتدي الملابس الثقيلة، تسرّح شعرها وتقبّلها في خدّيها وجبينها، لم تغادر الابتسامة محيّاها وهي تسمع ابنتها تردّد سورة «الفاتحة» التي حفظتها أمس.
تهرع الصغيرة إلى تقبيل والدها وتودّع والدتها وتنطلق إلى الحافلة المدرسية، حيث تستقبلها صديقاتها بالضحكات التي لاتزال تصدح في سماء الوطن، ترسل الأم قبلة طائرة لصغيرتها التي تراقبها من النافذة، كانت تلك هي القُبلة الأخيرة.
(3)
أقنعت والدتها بزيادة مصروفها اليومي لتضعه بصندوق الخير في المدرسة، لقد قالت إن هذا الصندوق من أجل شراء ملابس وبطانيات للفقراء الذين لا يستطيعون شراء ما يقيهم من البرد، أخذت الزيادة وهرعت إلى الحافلة تسبقها الفرحة ببضع عشرات ستساعد بها الآخرين، احتضنتها والدتها وقبّلتها سريعاً، لقد كان الحضن الأخير..!!.
(4)
ذات الشجار الصباحي حول وجبة الفطور، والدتها تصرُّ على وضع الساندويشات وتفّاحة وهي ترفض وتصر على الشراء من مقصف المدرسة لتساعد البائع في جمع المال لشراء كنزات صوفية لصغاره؛ وينتهي الجدال دائماً بأخذ الساندويشات والتفاحة وزيادة قليلة في المصروف، تودّع والدتها وتذهب إلى زميلاتها وهي تشعر بالانتصار وقدرتها على الإقناع، سريعاً تقول: مع السلامة ماما، أيضاً كان الوداع الأخير.
(5)
أحلام صغيرة انهارت أمام أطماع الكبار، تصرّفات بريئة أنهتها تصرُّفات الخبثاء، أعمال إنسانية محتها أعمال الشياطين.
انتهت حكايتهن لتستبدل بدل ابتسامات الأمهات دموع الألم والقهر، لم نعرفهن ولكن بكيناهن بحُرقة وألم وقهر، دعونا الله أن يرحم أهاليهن ويرحمنا ويرحم هذا الوطن.
صعدن هن إلى السماء بضحكاتهن وبراءتهن وأحلامهن البسيطة؛ وبقينا نحن نشهد تلاشي الإنسانية في هذا الوطن، غادرن إلى السماء ليلعبن مع الملائكة، وبقينا نحن بين فكّي الوحوش التي تنهش هذا الوطن..
انتهت حكايتهن وتأبى حكاية اليمن أن تنتهي.
[email protected]
نقلا عن الثورة