راكان الجبيحي
ليس من السهل قراءة العلاقات الأميركية- الخليجية في مرحلة حرجة كهذه على حساب المشهد اليمني الغامض الذي طالت حدة توتره واشتد تقزمه، فخرج عن إطار السيطرة الكاملة، وأصبحت المشكلة معقدة للغاية، وتحولت من أزمة يمنية- خليجية إلى أزمة خليجية- دولية، كان مخططاً إنهاؤها في فترة وجيزة، غير هذه المرحلة التي دخلت حيز التعقيد والتباين المزدوج والتشاحن الذي وُلد بين أميركا ودول الخليج، والسعودية خصوصاً.
إن قراءة علاقة أميركا ودول الخليج في وقت كهذا أمر من الصعب تبينه، من دون النظر إلى طبيعة العلاقات العميقة والاستراتيجية البعيدة المدى بين تلك القوى. والذي يصعب عليًّ إيجازها في بضعة سطور، على الرغم من اجتهادي الكبير في التعمق المزمن بمجريات العلاقة، وربطها بحبال الأوضاع المتوترة التي عصفت بالمنطقة.
ظلت علاقة أميركا بالخليج، والسعودية خصوصا، طوال العقود السابقة، ولا تزال، وطيدة ومتماسكة ومتلاحمة من دون تخلخل أو تأجيج وتأثير يذكر. مع وجود فجوات وملسنات في بعض المراحل التاريخية، والتي هي شبيهة للمرحلة الحالية بطبيعة المصالح المتعارضة والمتنافية، والتي لها أبعاد ذات طابع أمني وقومي.
لا نجزم بأن الأزمة الواقعة بين دول الخليج وأميركا ستؤول إلى مآلات صعبة، وستتجه إلى مفترق طرق، بل سيؤدي ذلك، في نهاية المطاف، إلى تضميد العلاقة. وسد الثغرات مهما اشتدت جذور الأزمة وامتدت إلى أروقة المصالح المتعارضة في أكثر من محطة، وهذا ما لاحظناه في تجاوز الجانبين كل الأزمات العصيبة التي وقفت في منتصف طريق العلاقة الوطيدة والاستراتيجية بين واشنطن والخليج، بلا استثناء.
رسمت الرياض نقاطاً واضحة لخط سير العملية العسكرية في اليمن، منذ انطلاق عاصفة الحزم قبل أشهر قليلة، لإنهاء حدة التوتر، وكسر قوام التعنت المهدور لدى جماعة الحوثي، لولا دخول واشنطن على الخط في التحول نحو عتبة التقارب الملحوظ، لتقوية شوكة تحالف صالح والحوثي وإطالة المرحلة، لإرضاخ الخليج وسحب البساط من طاولة السيطرة السعودية على زمام الأحداث الدائرة في البلاد. ومؤتمر جنيف الذي عُقد لإيجاد حل سياسي وسلمي لليمن قبل أيام من دون الخروج بأي حل توافقي دليل على ذلك.
علينا أن ندرك، في الأول والأخير، أن تدخل السعودية عسكرياً ليس من أجل اليمن، مع أن ذلك أحد الأهداف الأساسية لتدخل بتفتيت إحدى أجندات إيران في المنطقة، بل لبروز قوة المملكة، وبعث رسالة خليجية إلى إيران مفادها الوجود الخليجي الصارم والقوي في المنطقة .
تحاول السعودية بكل السبل الإسراع بإنهاء وتيرة العنف وبؤرة الاقتتال الدائر في اليمن بأية طريقة وبأي ثمن، مع الالتزام الكامل بضمانات حقيقية، تعطي الرياض جو الانتصار في معركتها. بينما تريد أميركا إطالتها لغرض مصلحتها في إغراق الرياض بخنادق جسيمة في سرعة اتخاذ قرار التدخل من دون الرجوع إلى واشنطن واستشارتها.
يعلم الجميع أن العلاقات السعودية الأميركية في مهب الريح، وتمر بأسوأ مراحلها، نتيجة التقارب الأميركي مع إيران بشأن برنامجها النووي، ما ولد غضباً وتلاسناً لدى دول الخليج، الأمر الذي استدعى من الرياض تشكيل تحالف خليجي عربي، واستباق التدخل الفوري والحاسم في الأزمة اليمنية، في وقت كانت أميركا فيه راضية عن أداء الحوثي وتحركاته في اليمن، أو هكذا يبدو.
لا شك في أن الرياض غير متيقنة تماماً من مؤتمر جنيف، حتى ظلت محتفظة ببعض الأوراق، بيد أن المؤتمر لن يثمر عن أي حلول يلبي تطلعات الخليج، واليمنيين خصوصاً، كونه تحت مظلة الأمم المتحدة.
ليس أمام دول الخليج في الوقت الراهن سوى إخراج آخر الأوراق في قلب الطاولة، ودعم المقاومة على الأرض، لإحداث تباين وتوازن ملحوظ، للتمكين من حل الأزمة عسكريا في نهاية المطاف، وبأيام معدودة ان صحَّ عزم الخليج على إنهاء حدة التوتر. مع شكوكنا في إحداث حلول سياسية وهمية، ورفع الكفة عن الرياض، وتحويل المسألة اليمنية إلى الأمم المتحدة، بحيث تحتفظ واشنطن ببعض المفارقات في إحداث توازن بين مختلف القوى. وهذا ما نخشاه من العالم أجمع، والخليج خصوصاً.