عمار زعبل
هكذا بدا المشهد، خطف ونهب وقتل واعتقال وسرقة وإرهاب وقاعدة، وأخيراً وصل من يبشر اليمن بداعش. إلى هنا، يتساءل كثيرون: هل سيتوقف قطار التحالف الحوثي الصالحي، أم بدأ يؤسس لمحطات طويلة من الألم والتعب، والذي سيظل مكبلاً أيدي اليمنيين وحياتهم فترة أطول.
قبل عقود، يصف أحدهم حاله وحال اليمنيين قبل ثورة 1962 وفي أثنائها، وهي الثورة التي طوت صفحة الإمامة وحكمها الاستبدادي، بأن أثر القيود على يده وساقه تنوء من التعب. أصبح الأمر نفسه، في هذه اللحظة، بادياً على الوجوه والأيدي والأقدام معاً. الحال نفسها في ثورة فبراير من العام 2011، والتي اتضح أنها تصحيحية أكثر من أي شيء آخر، أنبأ عنه التحالف المتوقع بين جماعة مسلحة وحكم عائلة سابق، وقد أفضى ذلك التحالف المشبوه، بعد تفجير المدن واقتحامها، إلى تفجير المساجد والجوامع، لا لشيء إلا لفرض أمر واقع، أبرزه تركيع اليمنيين وكسر إرادتهم.
يراد لداعش، اليوم، أن تتقدم في اليمن، هي نفسها من سامت الناس سوء العذاب في العراق، فأرادوا نقل التجربة إلى اليمن، مع سبق الإصرار والترصد.
يذهب متابعون إلى أن هناك إصراراً عجيباً ينتهجه الثنائي البارع، الحوثي وصالح، في إدخال اليمنيين في صراع قد يطول، صراع يلعب بوتر حساس، يدخل في إطار الطائفية والمناطقية، وأشياء أخرى سولت لهم بها أنفسهم الطامحة لحكم اليمنيين إلى الأبد، وإن كان على حطام أجسادهم وبيوتهم.
كثيرة المؤشرات التي كانت ممهدة للمخطط في التنفيذ، من صعدة (شمال البلاد) معقل الزيدية التي لا تتجاوز الثلث من عدد اليمنيين قاطبة، فبدأت المسألة هنا معكوسة تماماً. إذ من البديهي، كما يقول متابعون، أن تكون الزيدية هي الأضعف، لأنها الأقل في عدد السكان، وهناك من يستبعد استخدام الطائفية. لكن، حدث عكس ذلك، وكما خطط له الانقلابيون بدقة.
هجرّت "دماج" القرية التي تقع في وادٍ جنوب شرق مدينة صعدة شمال اليمن، وقتل كثيرون من سكانها. وهنا، نظر إلى الأمر على أنه بداية التأسيس لداعش التي تستخدم التهجير القسري اليوم في العراق والشام.
بعد احتلال العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول الماضي، ظهر المخطط جلياً وواضحاً للعيان، انطلقت مليشيات وقوات التحالف الحوثي الصالحي إلى مناطق شافعية، الأمر الذي زاد الاستهجان وعمّق الغرابة لدى الناس. حيث أن غالبية سكان هذه المناطق لا يفكرون هذا التفكير. نسي كثيرون منهم ماذا تعني الشافعية والزيدية. مُهد لذلك بحوادث قتل في أوساط الجنود وبالسكاكين، لتكون ذريعة لهجوم الحرس الجمهوري وشريكته التي أسميت اللجان الشعبية التي أخذت تقتل الشعب وبدم بارد، في الجوف ومأرب والبيضاء.
لم يتوقف الأمر على ذلك، فقد سمح لهم بالدخول، واختفت ما أسميت القاعدة حينها، لم يجدوا الحاضن لتفريخ مثل هذه الألعاب التي قتلت مئات الآلاف في بلدان عربية أخرى.
حلت الفرصة مع فرار رئيس الجمهورية إلى عدن، وبدأ التحدث باستعادة الشرعية والدولة المنهوبة من جماعة الحوثي وصالح، ليبدأوا مشروعهم في تفجير مسجدين في صنعاء، نتج عنه عشرات القتلى والجرحى، من دون أن تخرج أي تقارير أو تحقيقات، تؤكد من يقف خلف تلك الحوادث بصورة قاطعة.
جاء علي عبدالله صالح، حينها، مخاطباً أبناء تعز وعدن، ليكون الإعلان لقواته التوجه إلى هناك، ففي هاتين المحافظتين والثالثة الضالع، لا يمكن أبداً القبول بمخططات صالح العبثية لإرث تاريخي ونضالي، لكنه، أي صالح، خاض حرباً مفتوحة على كل شيء، على الإنسان والحجر، دمرت المنازل، وعاشت هذه المدن أكبر حالة نزوح تعرضت لها اليمن في تاريخها المعاصر.
بذريعة داعش والقاعدة، كان القتل والدمار والخراب، ولا داعش بتاتاَ إلا في إعلام يروجهاز ظهر مقاتلو هذه المدن من عامة الناس، وأعلنت قيادات المقاومة عن نفسها، فكانت من الناس أنفسهم، ومن السلطة المحلية في المحافظات. خاض أبناء هذه المحافظات حرباً مصيرية، مع فارق التسليح، إلا أن النصر كان حليفهم، خصوصاً مع إسناد طائرات التحالف العربي.
نُسيت داعش تماماً، واختفت قيادات الانقلابيين، من يقودون معركتهم على أبناء تعز والجنوب بصمت، غير معترفين بالهزيمة، ومن دون تنازل لخوض حوار، يحفظ ماء الوجه، ويعيد الأمور إلى نصابها.
ذهول يرتاب الناس، حيث تحول مؤتمر جنيف الذي أردوا استثماره، بعد أن مهدت لهم عوامل للعب سياسة أخرى، الأمم المتحدة نفسها أوصلتهم إلى المدينة السويسرية، ولا نية لهم للتفاوض الجدي، غير اللعب بورقة القاعدة وداعش، فكانت أربعة مساجد وعشرات القتلى في أول أيام رمضان ومسجد آخر في الثالث منه.
أليس ما تقوم به جماعة الحوثي وصالح لا تخرج عن كونها لعبة، وما يدار أيضاً هو لعبة يقول عنه أحد أبرز علماء الزيدية، العلامة محمد عزان، في صفحته "فيسبوك": (لعبة تفجير السيارات المفخخة في المساجد لن تجعل الاشتباك في اليمن طائفياً، لسبب بسيط هو أن الخصومة في اليمن سياسية، مهما كان قُبحها).
يبقى المواطن اليمني في هذه الدوامة التي وجد نفسه فيها، فهو يبحث عن لقمة العيش، في وضع غابت فيه كل الخدمات من ماء وكهرباء وصحة، تتخطفه الأمراض والحروب. يبحث بإصرار عن مشروع ينتشله من مستنقع الانقلابيين، لا أن يغرق أكثر، وفي مخططات لا قبل له بها، من أمثال داعش وأخواتها.