إدريس الدريس
هكذا هو حال الميليشيات وهي التي تلعب دائماً دور العصابات، وفي المواجهات العسكرية تمارس الإزعاج وإثارة القلق، لكن الميليشيات على مدار الزمن لا تمتلك مشروعاً ولا ترتكز على منصة ثابتة، وهكذا هو حال ميليشيات الحوثي وغيرها.
ومن هنا فإن ميليشيات الحوثي حتى وهي مدعومة من قبل قوات صالح أو توجيهات قاسم سليماني ستظل خاسرة في مواجهة عاصفة الحزم وإعادة الأمل كلما سعت إلى إطالة أمد الحرب من خلال المناوشات التي تمارسها عبر حدنا الجنوبي، وإذا كان التمادي قد زادت وتيرته خلال الأيام الماضية فإن ذلك يأتي في محاولة حوثية يائسة لممارسة الضغط على "التحالف" عند الذهاب إلى جنيف وهم يسعون كما هو واضح إلى جر المملكة إلى حرب برية يرجون من خلالها زيادة حجم الفقد البشري لدى قوات التحالف.
لكنهم لا يدركون أن المملكة حريصة على سلامة أبنائها، ولا يمكن لها أبداً أن تنجر إلى معترك محدد إلا باختيارها ووفق حساباتها العسكرية والاستراتيجية على عكس الحوثي وقوات صالح التي لا تلقي بالاً لخسائرها البشرية.
وهكذا فإن المشروع الإيراني في صناعة "الحوثي" في اليمن يأتي مماثلاً لمشروعها في لبنان من خلال حزب الله أو من خلال الميليشيات الطائفية والحشد الشعبي في العراق أو من خلال سياستها في تقسيم الفلسطينيين عبر جرها لحماس خارج دائرة التوافق مع غيرها من الفصائل الفلسطينية أو من خلال إبعاد حماس عن دول الاعتدال العربي.
والواضح في المجمل أن سياسة إيران ترتكز على إثارة القلاقل والفتن وخلق أجواء من عدم الاستقرار في كثير من العواصم العربية عبر وكلائها الذين يقاتلون بالنيابة عنها حين يدفعون كما نشاهد ونسمع بأبناء سورية ولبنان والعراق واليمن في فرقة الموت في انقياد واضح للمرشد الأعلى وتوصياته، وفي استجابة ساذجة للمشروع الفارسي الذي يهدف من خلال هؤلاء الوسطاء إلى لعب دور الشرطي في المنطقة على نحو يحقق أهداف الصهيونية عبر الانشغال عن إسرائيل بعد أن كانت عدو العرب الأول مثلما أن قضية فلسطين هي قضية العرب الكبرى، لكن المخطط الصهيوفارسي استطاع أن يدجن القضية الفلسطينية، ويضعها في آخر الاهتمامات، وبالمقابل انشغل العرب عن العدو الإسرائيلي الذي بات مستقراً وآمناً بفضل الفصائل المتفجرة والميليشيات التي قامت إيران بزراعتها في المفاصل العربية.
على أن البشائر التي هبت من خلال عاصفة الحزم صارت تشع ضوءاً في نفق "العمالة" الفارسية، وصار الأمل متجلياً بتعويض مشروع الخيانة الإيراني، والذي سيتهدم تدريجياً ابتداء باليمن التي صار واضحاً أن الحوثي من خلال تحركاته الأخيرة يمارس الحفر في صخرة اليأس ويتزامن هذا الفشل مع هزائم متتابعة للنظام في سورية، وكل هذا يأتي بعد أن استطاعت عاصفة الحزم أن تعيد إحياء الحس القومي، وأن تعزز من الهاجس العروبي الذي خمدت جذوته في النفوس منذ أن تتابعت أحداث غزو العراق للكويت، ثم أحداث 11 سبتمبر ثم ما تبعها من حرب على العراق، وتسليمها بالضبة والمفتاح للإدارة الإيرانية في تنفيذ صارخ لمشروع يستهدف تفتيت العالم العربي إلى دويلات صغيرة، لكن هذه الصحوة الأخيرة جعلتنا ندرك أن عاصفة الحزم تنتهي بإعادة الأمل لنا جميعاً.