سامي غالب
_ 3 صفقات سياسية "انقلابية" انتصرت ل"صندوق الذخيرة" ضدا على "صندوق الانتخابات" فاندلعت الحرب الأهلية
_ لاستنقاذ اليمن من جحيم الاحتراب الأهلي يتوجب في جنيف فصل "السلطة" عن "الدولة"!
*******
سيذهبون إلى جنيف. الأطراف نفسها التي تحاورت في صنعاء في 2013 ولكن بعد تغير كبير في الأوزان والأدوار لصالح الطرف الخارجي (من خارج المبادرة الخليجية) وهو الحوثيون.
سيذهبون بعد حرب مدمرة تهيأت لها كل الأسباب في حوار 2013 جراء المقامرة الكبرى للسلطة الانتقالية برئاسة هادي وبتشجيع من احزاب اللقاء المشترك، والتي استهدفت الإمساك بالسلطة لفترة تتجاوز تلك التي حددتها المبادرة الخليجية (أي فبراير 2014) بذريعة ان مهام المرحلة الانتقالية لم تستكمل بعد.
كانت تلك الذريعة القاسم المشترك بين الرئيس هادي واللقاء المشترك والمبعوث الأممي السابق جمال بنعمر. وقد انضم الرئيس السابق صالح الى "صفقة" الانقلاب على الشعب وثورته، بعد ان ضمن التمديد أيضا لمجلس النواب الذي يسيطر حزبه على اكثر من 80% من مقاعده.
كذلك ضمن الرئيس هادي مدة اضافية في الرئاسة (بدون التفويض الشعبي الذي تحصل عليه في فبراير 2012)، وضمن اللقاء المشترك استمرار حصته وافضليته في الحكومة برئاسة محمد سالم باسندوة، وضمن الرئيس السابق والمؤتمر الشعبي بقاء محلس النواب الذي انتخب في 2003 لمدة ست سنوات. (مدة المجلس تنتهي طبق الدستور النافذ في ابريل 2009 لكن صفقة انقلابية (أولى) بين الرئيس حينها (صالح) واللقاء المشترك في فبراير 2009 أدت الى تأجيل الانتخابات النيابية مدة سنتين.
من اللافت هنا أن الاحزاب، وليست الجماعات خارج العملية السياسية، هي من تحمست في المرتين للانقلاب على "صندوف الانتخابات"!
الصفقة الأولى أدت لاحقا إلى ثورة شعبية عارمة ضد نظام صالح في فبراير 2011.
الصفقة الثانية أدت إلى "ثورة" الحوثيين على سلطة التوافق الانتقالية في سبتمبر 2014.
في الثورة الأولى نزل الشعب اليمني الى الساحات في المدن الكبرى لاسترداد السلطة من مغتصبيها. وقد التحق المشترك بعد تردد بالشباب في الساحات، ثم تمكن من التسلط عليها، قبل ان يتحكم بقرارها عقب انشقاق الرجل الثاني في السلطة علي محسن الأحمر. كذلك بدأت الثورة تتصير، تدريجيا، أزمة سياسية بين طرفي صفقة 2009، بعد تغير الأوزان لصالح المشترك المستقوي بالساحات وبالمنضمين إلى معسكره من رموز النظام السابق.
في "الثورة" الثانية، وهي ثورة جماعة، تمكن الفاعل الخارجي، أي الحوثيين، من استثمار مشاعر الاستياء والخيبة لدى جمهور واسع من اليمنيين جراء فشل سلطة الوفاق وانقلابها على الإرادة الشعبية، واستطاع حصد ما يمكن اعتباره "الفاقد" من الثورة والسياسة في العملية الانتقالية لصالحه، وتقدم بالسلاح انطلاقا من صعدة إلى عمران ثم العاصمة صنعاء، فارضا نفسه شريكا في السلطة من خلال اتفاق السلم والشراكة.
في الصفقة الأولى كانت ذريعة المنقلبين (صالح والمشترك) ان البيئة السياسية تستلزم اجراء اصلاحات انتخابية قبل أية انتخابات نيابية. وقد كان مؤدى ذلك انسداد سياسي وتآكل شرعية النظام السياسي فاندلعت ثورة شعبية سلمية.
في الصفقة الثانية كانت ذريعة المنقلبين (هادي والمشترك ثم صالح) أن مهام المرحلة الانتقالية المنصوص عليها في المبادرة الخليجية لم تنجز، وأن مخرجات الحوار الوطني التي تتأسس على تغيير طبيعة الدولة اليمنية من دولة بسيطة إلى دولة مركبة، تستدعي مرحلة انتقالية ثانية وثالثة (مفتوحة في الواقع لاستحالة انجاز هذا التحول، الخرافي، في أمد زمني محدد). وقد كان مؤدى ذلك أن شرعية الرئيس هادي والسلطة الانتقالية تآكلت، فاندلعت ثورة فئوية مسلحة فرضت "صفقة ثالثة" صار الحوثيون بموجبها فاعلا داخليا، متحكما أكثر منه حاكما أو شريكا في الحكم.
كان اتفاق السلم والشراكة تكميليا، في الظاهر، للمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني ووثيقة ضمانات تنفيذ المخرجات، لكنه في الواقع كان يضع قواعد جديدة لممارسة السلطة الاجرائية في العاصمة يتمتع بموجبها الحوثيون بحق النقض. وقد ظهر هذا سافرا في النصف الأول من يناير عندما استكمل الحوثيون "ثورتهم" بالانقضاض على السلطة والاطباق على المربعات الأمنية التي بقيت ل"الرئيس الشرعي" في العاصمة،فاندلعت الحرب.
والآن؟
هناك صفقة رابعة، وليس اتفاقا وطنيا، في الطريق كما يتضح من الاتصالات التي يجريها المبعوث الأممي الجديد في صنعاء والرياض وطهران. صفقة تضم اطراف الصفقات الثلاث السابقة والفاعلين غير اليمنيين، وخصوصا الرياض وطهران وواشنطن.
حتى الآن لا يظهر من سلوك، وخطاب، أي من أطراف الصفقات الثلاث ما يشي بأنه قام بمراجعة معمقة للمسار السياسي منذ 2009 وبخاصة منذ 2011.
الأكيد ان معسكري الحرب الداخلية (صالح والحوثيين في جانب وهادي والمشترك) ليست لديهم الرغبة في نزع أحزمتهم الناسفة قبل الذهاب الى جنيف.
الرئيس "الشرعي" هادي وتحالفه الفضفاض يتشبثون بخرافات الحوار الوطني وفي مقدمها فدرلة الدولة وإن تباينت المواقف بشأن عدد الأقاليم.
الرئيس السابق صالح يرفض علنا مخرجات الحوار الوطني بحسب آخر تصريحاته لقناة الميادين. ويرفض منذ سنة فدرلة الدولة ويتمسك بالدولة التي صاغها على صورته خلال 3 عقود، في اليمن الشمالي أولا ثم في الجمهورية اليمنية بعد حرب 1994 التي انهت الانقسام في الجيش والتقاسم في دولة الوحدة بالأطاحة بالحزب الاشتراكي اليمني وملاحقة قادته والاستيلاء على مقراته وامواله، ثم تعميم ثقافة نظام صالح على المحافظات الجنوبية والشرقية التي هي "الجنوب السياسي" الذي صار، مذّاك، غير ممثل في السلطة رغم المحاولات الترقيعية المتكررة لتعويض فجوة التمثيل عبر جماعة الرئيس الأسبق علي ناصر محمد (هادي ومن صاروا "الزمرة" بعد الاقتتال على السلطة في اليمن الجنوبي في 13 يناير 1986) وعبر تعزيز شخصيات قبلية في الجنوب واستقطاب شخصيات مرموقة في قيادة الدولة الجنوبية والحزب الاشتراكي اليمني. كذلك صارت حرب 1994 تعني لدى تحالف "الشرعية" برئاسة صالح وعضوية جماعة "الزمرة" والتجمع اليمني للإصلاح، حرب تعميد "الوحدة" بالدم. بينما صارت لدى الحزب الاشتراكي ولاحقا قطاعات شعبية واسعة في الجنوب وبعض الشمال، "حرب احتلال الجنوب"، او حرب الضم والإلحاق (طبق تعبير اقتبسه علي سالم البيض في 1994 من تراث منظر اليسار الأول في اليمن عبدالله باذيب المتوفي في 1976)، بينما يقدم الشاعر عبدالله البردوني تعبيرا يجسد بالحركة معنى تلك الحرب الكارثية، فهي عنده ليست حربا للحفاظ على الوحدة ولا هي حرب لتعميدها بقدر ماهي خطة مدروسة من الرئيس صالح منذ ما قبل 22 مايو 1990، لتوسيع اقطاعيته الشمالية جنوبا!
***
هذان موقفان علنيان للرئيس هادي والرئيس السابق صالح.
ماذا يريد الحوثيون بما انهم سلطة الأمر الواقع؟
في 2013 و 2014، استطاعوا التلاعب بأطراف الصفقتين الأولى والثانية والمضاربة بينهم إلى أن فرضوا انفسهم طرفا متحكما في صفقة ثالثة (اتفاق السلم والشراكة). لكنهم الآن في بيئة أشد تعقيدا بوصفهم سلطة أمر واقع لا تملك ان تضمر ما تريد الى حين الانقضاض على خصومها. وفي 2014 بدأ قائد الجماعة عبدالملك الحوثي تصعيد خطابه ضد حكومة باسندوة أساسا مؤجلا _ وربما مخدرا الرئيس هادي_ إلى أن اجتاح مسلحو الجماعة العاصمة. وفي اتفاق السلم والشراكة انتزعت الجماعة تنازلا من هادي يقضي بإعادة النظر في تقسيم اليمن سياسيا إلى 6 أقاليم. لكن الحوثي في خطابات ما بعد سبتمبر صعد نبرة الاعتراض على الفدرالية تدريجيا بلوغا الى اعتبارها مؤامرة لتمزيق اليمن. وفي اثناء الحرب اعلن صراحة ان الجماعة ستسلم زمام الأمور في المحافظات الجنوبية والشرقية للمجالس المحلية. وسكت!
يصعب تصور قيام تحالف صالح_ الحوثي بالاستيلاء على السلطة وشن الحروب في كل الجهات دون اتفاق مبدئي بينهما على مستقبل الدولة. من هذه الزاوية من غير المستبعد أن يكون الحليفان _ اللذان تقاربا كثيرا حد توصيف صالح للحروب الدموية بينهما في العقد الماضي على انها ناجمة عن محض خلاف اداري وليس عقائديا كما كان يصوره اعلام النظام في الماضي، قد توصلا إلى موقف مشترك، ولكن غير معلن، من هذه المسألة باعتبارها من النقاط التي يستحيل قيام التحالف دون حسمها أولا.
باستثناء الاستيلاء على السلطة فإن ما يريده تحالف الحاربين _ صالح والحوثي_ غير واضح تماما. لكن ما لا يريده هذا التحالف لا يحتمل أي لبس أو سجال: الإطاحة بالرئيس هادي ومنع عودته الى العاصمة أو اي مكان آخر داخل اليمن، واسقاط مشروع تقسيم اليمن سياسيا إلى 6 اقاليم.
&&&
لنتأمل مجددا الأحداث منذ 2009:
_ في 2009 جرى انقلاب أول على الديمقراطية (بمحدودية تأثيرها وبخاصة الانتخابات العامة المتحكم بها باعتبارها قبلوية الأحكام منذ انفراد صالح وحلفائه بالسلطة وبالدولة، أي منذ صارت دولة الوحدة "اقطاعية" موسعة!)، وقد جرى تبرير هذا الانقلاب من قبل الطرفين، بضرورة اجراء اصلاحات في النظام الانتخابي قبل اي انتخابات. [والحاصل أن تأجيل الانتخابات جرى أيضا في ظل تأجج الاحتجاجات في الجنوب وتنامي قوة الحوثيين في الشمال]
_ في 2011 اندلعت ثورة في سياق عربي (الربيع العربي) ازاحت صالح من السلطة.
_ في يناير 2014 جرى انقلاب مزدوج؛ على الشعب والثورة، استهدف منع الانتخابات العامة مجددا لصالح اطراف المبادرة الخليجية (هادي وصالح والمشترك). فكانت مخرجات الحوار الوطني ووثيقة الضمانات التي مددت لكل الهيئات العليا.
_ في سبتمبر 2014 اجتاح الحوثيون العاصمة وفرضوا اتفاقا تكميليا باسم السلم والشراكة. واطلقوا على ما جرى "ثورة".
_ في يناير 2015 استكمل الحوثيون "ثورة" هم! بالتنسيق مع الرئيس السابق صالح.
***
تجنبت الأطراف السياسية التقليدية، منذ 2009، الانتخابات العامة، نيابية ومحلية ورئاسية، الدورية بذرائع متنوعة، وبتشجيع من المجتمع الدولي، فحلت صناديق الذخيرة محل صناديق الاقتراع. وصارت الكلمة الفصل للجماعة الأكثر جاهزية للقتال بعدما كانت في حوزة الجماعتين الأكثر جاهزية للتصويت وهما التجمع اليمني للإصلاح صاحب الأفضلية المحدودة في المدن الكبرى وفي مناطق الغرب والجنوب والوسط، والمؤتمر الشعبي العام بما هو حزب السلطة والآلة الانتخابية الفعالة بعد عدة استحقاقات انتخابية منذ ابريل 1993.
***
بعد ثورة 2011 تقاصرت احزاب المشترك عن الامساك باللحظة الوطنية التي وحدت اليمنيين في الساحات ووفرت فرصا لاستجماع "الذات الوطنية" عبر قرارات واجراءات تعالج قضايا المظلومين جميعا، في صعدة وفي الجنوب أولاـ ثم في اليمن عموما. لكن المشترك المحتار قبل 2011 صار المشترك المحتال بعد 2011 مستفيدا من صعف اداء الرئيس الانتقالي. وهكذا عملت قيادات المشترك مع الرئيس هادي من أحل هدفين:
_ منع الانتخابات في فبراير 2014 كما تنص المبادرة. وقد كانت الحجة ان المرحلة الانتقالية لم تستكمل مهامها. وكانت وثيقة الضمانات واحدة من اعاجيب السياسة اليمنية، فالسلطة التي اهملت وتقاعست وقصرت صارت مستحقة للمكافاة بالتمديد لها، والشعب المقهور صار موضعا للعقاب بحرمانه من انتخاب حكامه.
_ منع ثورة شعبية اخرى عبر تفكيك الدولة اليمنية من خلال ترويج مشروع الفدرالية باستثارة النعرات الطائفية والمناطقية، والتبشير بفردوسين أو 6 فراديس، تؤجل أي استحقاقات وترجئ أية مطالب شعبية او ثورية.
هكذا انتشرت فرقة كبرى في اليمن هي "المرجئة"!
صار أي مطلب أو استحقاق رهن بمدى ملاءمته ل"الفدرالية" الموعودة.
صارت الفدرالية المقحمة بعد ثورة 2011 العامل الثابت في المسار الانتقالي. وكل مطلب أو استحقاق او حتى سلوك مقاس عليها: إنْ كان يعززها فهو جيد، وإن تعارض معها فهو خطر.
***
لنتأمل مجددا في المشهد اليمني على ضوء المقاربة السابقة:
في 2011 اندلعت ثورة شعبية عارمة اجبرت الرئيس صاالح على تسليم السلطة ضمن تسوية تؤمن له حصانة من الملاحقة القضائية وتؤمن لحزبه نصف السلطة الانتقالية.
في 2012 جرى تصميم مسار انتقالي يمنع حل القضية الجنوبية (أو اقله تسوية المظالم والحقوق بقرارت رئاسية وحكومية) ويرجئ اية معالجات لقضية صعدة بالتفاوض بين السلطة الانتقالية والحوثيين، وكان ذلك الانقلاب الأول على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.
في مطلع 2014 ابرم اطراف المبادرة الخليجية صفقة برعاية دولية جرى بمقتضاها التمديد للرئيس الانتقالي (المؤقت) ولحكومة الوفاق ولمجلس النواب. وكان ذلك الانقلاب السافر على المبادرة الخليجية.
لتمرير الانقلابين اصر الرئيس هادي واللقاء المشترك على أخذ الدولة إلى طاولة الحوار: بدلا من استكمال نقل السلطة ومعالجة اسباب القضية الجنوبية (الحقوقية لا السياسية) وانهاء اسباب الحروب في صعدة (بالتفاوض المباشر بالاستفادة من اجواء الثورة الشعبية التي شارك الحوثيون بفاعلية فيها)، جاءوا بالدولة الى طاولة الحوار وصارت طبيعة الدولة المحور في النقاشات والدليل الذي يستهدي به المتحاورون.
***
الحاصل ان وضع السلطة والدولة على طاولة حوار واحدة تسبب في كوارث كبرى.
فهو سمم أجواء الحوار، وحرف الانظار عن اهداف الثورة الشعبية، وأرجأ اية حقوق بفعل النزعة التبشيرية التي شاعت في الخطاب السياسي وبخاصة من الرئاسة وأحزاب المشترك، وحفز المشاعر العصبوية في مختلف مناطق اليمن، ومكن الحوثيين من استثمار مشاعر الاستياء لدى قطاعات واسعة في الشمال تطلعت مع بقية قطاعات الشعب اليمني الى دولة مواطنة وعدالة تشمل برعايتها جميع اليمنيين لكن النخبة السياسية (الانقلابية التبشيرية) حولتها _ بالقصد أو بالغباء_ إلى "مذنب" بجريرة ان صالح ومراكز القوى من ابناء مناطقها في شمال الشمال أو في "مطلع" و"الشمال الزيدي". وقد بلغ من أمر هذه المقاربة التآمرية وغير الوطنية أنها حشرت كل المناطق الشمالية الزيدية في اقليم واحد اطلق عليه اسم "آزال". كان ذلك الاقليم المعزل الذي جعل منه الحوثيون المتضررون حاضنة شعبية ومنجم مقاتلين في خدمة مشروعهم للانقضاض على الدولة.
***
سيذهب اطراف الصفقات ال 3 إلى جنيف لإبرام صفقة رابعة يتقاسمون بمقتضاها السلطة على بلد تنهشه الدعوات العصبوية وشعب مزقته الحرب.
اليمنيون في اغلبهم _ حسب تقديري_ ليسوا متفائلين بالمرة. فخبرة السنوات الأربع الماضية علمتهم أن لا يثقوا بأحد من هؤلاء الذين يقتتلون على السلطة وإذا اتفقوا فعلى تقاسمها بالتحالفات الحربية والصفقات السياسية لا بالائتلافات الانتخابية، وعلى تقسيم الدولة وعلى تجزئة السيادة وتفتيت الهوية الوطنية.
سيذهبون بأحزمتهم الناسفة الى جنيف.
هناك سيكررون خطاياهم بوضع عملية نقل "السلطة" وإعادة النظر في "شكل الدولة" مجددا على الطاولة نفسها. وهذه المرة فإن السلطة ما عادت سلطة واحدة مطلوب استكمال نقلها كما كان الحال في خريف 2011، بل هي سلطتان: سلطة أمر واقع في صنعاء وسلطة "شرعية" في الرياض. وما عادت الدولة هي ذاتها فقد آلت الى دويلات أمر واقع بفعل الحرب.
الاطراف الداخلية جميعا هي من ستتحاور (أو تتشاور أو تتفاوض) في جنيف.
لا أحد منها سيغيب.
لكن هناك طرفا محليا لن يحضر، طرفا محليا خارجيا (من خارج السياسة وضدا على مرجعياتها جميعا) هو "القاعدة" أو "داعش" اليمني المرشح في حال استمرار هذا الانقسام الوطني وازدهار مشاريع التفتيت الطائفية والمناطقية (الهادوية المشتركية) ومشاريع التسلط الجهوية (الصالحية الحوثية)، لحصد "الفاقد" من الفشل السياسي والاحتراب الداخلي والحرب الأهلية اليمنية الاقليمية.
****
هناك دروس مستفادة من محنة السنوات ال3 الماضية، سنوات السلطة الانتقالية، أولها أن اليمن في مسيس حاجة إلى اتفاق اطاري جديد (يتأسس على الدستور والمبادرة والمخرجات واتفاق السلم والشراكة) يؤسس لسلطة توافقية بديلة ويرجئ "الفردوس" الفدرالي الهادوي إلى مرحلة لاحقة طبق ضمانات تحول دون عدم طرح بند "شكل الدولة" مجددا للحوار، لكن بعد تأمين سلطة توافقية تنهي حالة الاحتراب وتستنقذ "الدولة" اولا، وتقود البلد نحو قيام سلطة اعتيادية بهيئات منتخبة. وبالموازاة تداوي هذه السلطة الانتقالية جروح الماضي بدلا من ارجائها أو تحويلها _ كما فعل هادي وقادة المشترك_ إلى كروت سياسية وادوات ابتزاز ضد اطراف سياسية أو فئات اجتماعية ومناطق يمنية.
بكلمة واحدة،
يحتاج اليمن إلى تحييد المشاريع التبشيرية لهادي والأطراف الأخرى، ونزع الأحزمة الناسفة لكل الاطراف قبل الذهاب الى جنيف، وفصل مسار استكمال نقل "السلطة" (أو بنائها) عن مسار "شكل الدولة".
يحتاج اليمنيون إلى تضميد جروحهم وحل قضيتي الجنوب وصعدة (في بعديهما الحقوقي أولا) في المرحلة الأولى. قبل أي حوار حول مستقبل كيان الدولة.
يحتاج اليمنيون إلى اتفاق إطاري جديد يؤمن لهم السلم والاستقرار خلال فترة انتقالية قصيرة وينهي آثار انقلاب فبراير 2014 (انقلاب هادي والمشترك) وآثار انقلاب يناير 2015 (انقلاب صالح والحوثي) ثم يعمل على تقليل مفاعيل الماضي بجروحه والحاضر بحروبه وتأثيراتهما الكثيفة على "المستقبل" الذي كادت أيادي ثوار 2011 أن تلامسه.