حبيب العزي
افتقد اليمنيون رئيسهم الشرعي، واسمه عبد ربه منصور هادي، وبات اليوم يُطلق عليه "عبد ربه "مفقود" هادي"، بعد تسلله إلى الأراضي العُمانية قادماً من عدن، ومنها إلى المملكة العربية السعودية، هرباً من بطش المليشيا الحوثية التي انقلبت عليه، ووضعته تحت الإقامة الجبرية، ما اضطره إلى الهرب خِفية إلى عدن، فلحقت به إلى هناك.
كان أول ظهور علني له بعد ذلك في القمة العربية في شرم الشيخ، في 27 من شهر مارس/آذار الماضي، وبعدها اختفى من أمام أعيننا، إلى أن تواترت طرفة انتشرت في أوساط اليمنيين، أن الحاضرين في قمة الرياض كانوا قد شاهدوا امرأة تبكي، بُعيد إلقاء الرئيس هادي كلمته في جلسة الافتتاح، واستغربوا في بداية الأمر من فعلها ذاك، لكن، سرعان ما تبدد استغرابهم، حين علموا أنها كانت معلمة لغة غربية، فعلمنا نحن يومها أن هادي كان قد ظهر وللمرة الثانية، بعد طول غياب تجاوز الخمسين يوماً، ويا لها من معجزة، وسبحان مُحيي الموتى. أكثر من خمسين يوماً قبل ظهوره في مؤتمر الرياض، كان هادي كعادته لا يُحرك ساكناً، بينما كانت مدن بأكملها تُحرق على ساكنيها، عدن وتعز والضالع ومأرب، وغيرها من المدن اليمنية التي استباحتها المليشيا، وبعد ظهوره الوحيد الذي أبكى المرأة، وليته لم يظهر، اختفى ثانية، والراجح أن الرجُل قد أحب الحياة تحت الإقامة الجبرية، لأنها على الأقل تعفيه من المسؤولية.
لحقت الحكومة بعد ذلك برئيسها الهارب "المفقود"، فأصابها من الدَّعَة والاسترخاء وطيب المُقام، كما الاستمتاع بكرم الضيافة ما أصابه، ولم يكتف القوم بذلك، فقد استدعوا بقية الأطياف المختلفة، التي تمثل جُموع الشعب من المهرة إلى حجة، حتى تكتمل الزفة، فهرب الجميع فُرادى ومجتمعين، ما بين "مريض وزائر ومعتمر"، قاصدين الحج الأكبر في مؤتمر الرياض. حج جميع الهاربين، وأدَّو كل مناسك الولاء، تبادلوا القُبلات مع الجميع عدا الحجر الأسود، ومرُّوا من أمام كل الأركان إلاّ الركن اليماني، كان الملك سلمان كريماً ومضيافاً، كما كان سخياً معهم.
أقترح أن يُصدر هادي، أو من ينوب عنه بالأحرى، فهو "مفقود"، مرسوماً يَستدعي فيه "بالمرَّة" جُموع الشعب اليمني إلى المملكة، والدخول "تهريب"، وآخر مواطن يطلع من اليمن يُغلق الباب خلفه، وعندها لن يجد الحوثيون أحداً يقاتلونه، أو شعباً يحكموه، فينهارون وينهزمون، وهكذا تنتهي الحرب، ونخلص من الكابوس. أصبحتُ على يقين تام بأن المشكلة فينا نحن، وليس في الرئيس هادي، إذ كيف يصح لنا عقل، أن نطلب من شخص لا يعيش في كوكبنا ولا عالمنا، لا نراه ولا يرانا، لا نُحِسُّ به ولا يُحِسُّ بنا، لا يكترث لمعاناتنا، هو "مفقود" بالنسبة لنا، كيف يستقيم أن نطلب منه القيام "بالفعل"، أي فعل لأجلنا، فإذا كان فاقد الشيء لا يعطيه، فكيف بالمفقود نفسه.