عبدالحفيظ الحطامي
في مثل هذا الشهر .. شهر شعبان من العام الفائت .. كنت والزملاء عبد الله قابل ، ويوسف العيزري ، وسام الغباري في ذمار ، كان عبد الله قابل وسام الغباري ضيوفا في حلقة تلفزيونية ، وكان يوسف العيزري منسقا لحلقتين تلفزيونتين عن ذمار اعددتها لقناة سهيل الفضائية عن ذمار الارض والانسان .. عن كرسي الزيدية الذي استعصى عن التدجين ورفض مشروع القادمين من كهوف مران يحملون خرافات الزيف المدنس ، لا يشبه الزيدية فكرا وسلوكا وقيمة وحياة .. جاءني الخبر كالصاعقة .. عبد الله قابل ويوسف العيزري ، كانا ضمن من وضعتهم مليشيات الموت الحوثية دروعا بشرية .. يعني عبد الله قابل ويوسف العيزري غادراني فجأة وبدون مقدمات .. اختارا الشهادة دفعة واحدة من أول حرف وحتى آخر نفس .. حين اختطفتهم مليشيات المخلوع والحوثيين ، كانوا يحملان كاميرات تصوير ودفاتر واقلام واحلاما بالعودة ليخبرا اليمنيين ، وفق عمل صحفي ان الحياة القبلية تشفى ، من أسقام المخلوع وتعلن صراحة ولاءها للشرعية .. لكن صناع الموت أرادوا ان يخنقوا الخبر والحقيقة .. نسي هؤلاء القتلة ان مسوخهم البشرية يموتون بأعداد مهولة بلا قيمة ولا يحضون بدفن يواري سواءتهم .. وحدهم من يموتون لأجل الحقيقة الوطن والحرف ، يفتتحون مسارا جديدا وحضورا في قلوب الملايين ، لسبب واحد كان العيزري وقابل يرتدفان الحرف والكلمة والصورة والقلم .. فيما مليشيات الحوثي يحملون بنادق الموت والقتل العبثي ..
الشهداء لا يموتون ووحدهم من يرسمون الوطن في جدار قلوبهم .. تشرق الشمس من عيون مقابرهم .. تتدلى ارواحهم قناديل ضوء في الجنان .. عند تقاطع الوطن والحلم ينضج الموت .. ليبزغ عبد الله قابل ورفيقه يوسف العيزري بدمائهم ، يسرجون بلاد انقلب عليها قاطع طريق كان يسمى عبثا حاكما ، وأتاها من كهوف الابدية عبدا يحمل وثنية السيد الوغد .. بينما تغدو جراحات الشهادة اوسمة اضافية .. ويغدو ضريح يوسف وقابل وطن .. يموت الشهيد يتجرد المكان من نفسه مع أول دفقة جرح.. ويتقلص الوجود كل الوجود ليغدو هؤلاء اوسمة بحجم الصمود .. ينتفض الزمان على وقته وصمته .. ترتوي الأرض من غزارة الدماء النازفة , وتصبح الكلمات كالسيول باعثة للحياة , يضيع بدربك الزمن .. تتهاوى الشخوص والاسماء والانجم والاقمار والجبال والانهار امام تهليلة عائلتكما المجروحة بفقدكما بهذه الكيفية الدامية .. بودي اعرف أي قلب لهؤلاء القتلة ؟ وهم يضعونكم متاريس لسلاح يقتلون به الشعب اليمني من الوريد الى الوريد .. تبكي هناك السماء لا رغبةً في البكاء .. بل تحية إكبارٍ وإجلالٍ لشهيدا الكلمة والقلم والصورة .. يحمل الليل الطويل بقاياه ويمضي والفجر يأتي وقابل والعيزري صحفيان شهيدان كفنا بالغيم .. تدور الأرض دورتها حول الوطن الذي افتداه يوسف وعبد الله .. بروح استثنائية ، تكبر السنابل ليخرج منها إلى الحياة ثانيةً شهداء يخطون بدمائهم العبقة دروب الوطن ..
أعتذر لكما .. يوسف العيزري وعبد الله قابل .. في مثل هذا اليوم كنا في زمان ومكان وعمل واحدة ، نرتب مشاريع حلمنا في اعمال صحفية .. اعتذر انا عبد الحفيظ الحطامي ، نيابة عن نفسي على الاقل .. لأني لا زلت حيا غير قادر على الموت بطهر مثلكما من أجل تستمر الحياة ..الأقوياء وحدهم هم من يموتون ليبعثوا فينا الحياة .. أموت قهراً وغيظاً .. كيف تلاحقت الايام ولا زلت اراكما صورا احدثها فيرتد صوتي دموع حسرة لفقدكما ..
أيها الزميلان الشهادة ليست امنية .. انها اصطفاء رباني .. يصطفي الشهداء من خلقه كاصطفائه للأنبياء .. هنيئا لكما منزرعان ، كبذار الأرض .. اخضرار حياة وتاريخ يحفظ في القلوب .. تصبح شهادتكما كالغيم الأبيض كالمطر أجمل .. منثوراً في الهواء نشتمه ونتنفسه في كل مكان كما الزهر والعطر والفل وعبق الياسمين .. تموت ألف مرة ( بالإنابة ) عن وطن ، فأبقى أنا حياً بعدكما .. يستحيل الوطن في عيناي الى خرم ابرة .. تودعانني فجأة ترتقي روحكما إلى السماء وأبقى أنا بالخطأ حياً بعدكما دون حياء .. لا أسئلة لماذا قتلا عبد الله ورفيقهما ؟ لا يسألني أحد ، لماذا بقيت بعدهما حياً ؟ .. هذا هو لحن الشهادة متوجا على عرش فلا الأغنيات ولا الأمنيات ولا الصلوات ولا بكاء الأرامل والأمهات تعيد إلى الحياة من قضى شهيدا لأجل الوطن .. أيها الحبيبان ، سأروي حكاية شهادتكما للغرباء.. لمن لا يزالون يشككون في دمكما ودم شهداء الثورة والحرف والقلم .. لمن لا يعلم كيف قتل الشهداء في زمن الربيع العربي كالأنبياء .. من ذا لا يعرف عبد الله قابل ويوسف العيزري.. هنيئا لكما حياة خلود جديدة .. وانا على دربكما ماضون .. كنا نعرف ان مهنة المتاعب .. دروبها ليست مفروشة بالورد .. ولكنها محفوفة بالموت .. كنا ندرك تماما من اول قطرة عرق وحتى آخر قطرة دم .. رحمة الله تغشاكما ..