لم يعرف اليمن منذ سقوط نظام الإمامة رسمياً في 1962، من الشخصيات السياسية التي جمعت بين المكر والدهاء من جهة والميكيافيلية من جهة ثانية، مثل الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي أجبر على التخلي عن السلطة في 2011، بعد سنوات طويلة قضاها في صناعة الحدث السياسي وتفاصيله في اليمن، متخلفاً خطوة أحياناً ومتقدماً إلى صدارة المشهد أحياناً أخرى، منذ الانقلاب العسكري، أو ثورة سبتمبر(أيلول) 1962.
وبعد نصف قرن تقريباً، ورغم خروجه من السلطة رسمياً، لا يزال صالح، جزءاً من تضاريس الخريطة اليمنية، التي تشهد منعرجاً ولحظةً حاسمةً اليوم، بمناسبة هبوب "عاصفة الحزم"، ولجوء الرجل، إلى المناورة التي تعود عليها طويلاً بهدف الظهور بمظهر البرئ المضطهد، وكبش الفداء أو كما يحاول أن يقول، أمل اليمن الأخير في الخروج من المأزق الخطير الذي تردى فيه.
ولكن من هو علي عبد صالح، أو علي عبد الله آل صالح، أو الصالح؟
ليس سهلاً أن تسبر أغوار المتاهة التي يمثلها الرجل منذ نصف قرن من الزمن، ولكن الموسوعة الفرنسية الشهيرة، "لاروس" تصدت لهذه المهمة، فقالت، ولا تزال، في تعريفها باليمن، وشخصياته السياسية في إصدارها الذي يعرف تحديثات مستمرة، عن علي عبد الله صالح، إنه "من مواليد 1942، وينتمي إلى قبيلة سنحان، إحدى القبائل القوية ضمن ائتلاف حاشد القبلي اليمني".
وتضيف: "شارك علي عبد الله صالح، الذي ينتمي إلى الشيعة الزيدية، في 1962 في الإطاحة بالنظام الملكي اليمني الشمالي، بشكل حاسم، ما ساهم في ترقيته إلى رتبة مقدم وتعيينه نائباً لرئيس القوات المسلحة، انضم إلى المجلس الرئاسي الموقت في الجمهورية العربية اليمنية، اليمن الشمالي سابقاً، قبل إعلانه رئيساً من قبل المجلس التأسيسي، البرلمان، في يوليو( تموز) 1978".
ميكيافيل
وبين 1978 و1990، الفترة التي قضاها رئيساً واسع السلطات في اليمن نجح صالح في الإمساك بتفاصيل الملف اليمني على طريقته "الريع وشراء الولاءات لضمان الاستمرار، في نفس ميكيافي صريح"، وتقول لاروس في هذا الإطار: "بعد الوحدة اليمنية، التي كان أحد أبرز مهندسيها، عزّز صالح موقعه على رأس الدولة، معتمداً على قبائل الشمال، بفضل سياسة شراء الولاء، وعلى حزبه، المؤتمر الشعبي العام، الذي أصبح الحزب المهيمن بعد الانتخابات البرلمانية في 1993".
وتضيف الموسوعة: "لم يكن لصالح أن يعرف النجاح في مخططه، لولا سياسة التحالفات التي أقامها خاصة الائتلاف التكتيكي الذي جمعه مع الحزب الاشتراكي الحاكم في اليمن الجنوبي سابقاً قبل الحرب الأهلية، ومع حزب الإصلاح برئاسة أحد كبار مشايخ قبائل حاشد".
رقصة الثعابين
ويكشف تحالف صالح "الليبرالي" مع الأحمر الإسلامي والاشتراكيين السابقين، قدرة الرجل على الجمع بين المتناقضات، خدمة لهدف واحد، وهو السلطة والبقاء فيها، ما جعل الموسوعة الفرنسية، تقول: "اشتهر صالح بكلمة رددها كثيراً، حكم اليمن، يعني أن ترقص على رؤوس الأفاعي"، وهو ما تكشفه سياسته الخارجية مثلاً "فاعتمد خطاً مؤيداً للولايات المتحدة غربياً ولمصر عربياً وللعراق خليجياً، فأيد العراق في غزوه للكويت، ثم في حرب الخليج الثانية بين 1990 و1991، رداً لجميل صدام حسين الذي دعمه في حربه ضد الجنوب في 1990".
ولكن سياسة اللعب على الحبال الكثيرة، سريعاً ما ارتدت نتائجها على صالح، الذي أعيد انتخابه على رأس البلاد، في 1999، بعد تعديلات دستورية كثيرة، ولكنه وجد نفسه في مواجهة رياح كثيرة عصفت باليمن بعد 2001، ذلك أنه ورغم تعزيزه التعاون مع الولايات المتحدة بعد اعتداءات 11 سبتمبر(أيلول) 2001 الشهيرة، فإنه فشل في مواجهة القنابل الكثيرة التي انفجرت في اليمن بشكل متزامن تقريباً، من القاعدة في جزيرة العرب، إلى التمرد الحوثي، حليف اليوم، إلى عودة الحياة إلى تيار واسع من اليمنيين الجنوبيين ينادي بانفصال عدن عن صنعاء بسبب سياسة صالح نفسها.
صالح والدمية
وانتهى الأمر بصالح بقبول التخلي عن السلطة مقابل "حصانة" وعدم مساءلة، بعد تفتت الأحلاف التي أقامها على امتداد خمسين سنة مع القبائل، وداخل المؤسسة العسكرية والأحزاب، على خلفية الانتفاضة الشعبية التي أنهت كل فرصه في المناورة بهدف الاستمرار.
لكن الرجل الذي خرج من القصر الجمهوري، ومن الساحة السياسية اليمنية، يحاول العودة من نافذة الحوثيين الذين انتهى بهم الأمر إلى تنفيذ انقلاب جديد على طريقة صالح في 1962، و1990 مدفوعين بدعم خارجي هام، وداخلي أكيد تمثله العناصر الموالية لصالح داخل الأجهزة وبعض التشكيلات العسكرية، في حين يحاول صالح الإمساك بخيوط الدمية الحوثية وتوجييها بما يعيده إلى الساحة من جديد.
ولكن حسابات المقدم السابق الدقيقة، لم توافق هذه المرة مناخ الجزيرة العربية، بعد أن هبت عليها رياح عاصفة الحزم العاتية.