الرئيسية > اخبار وتقارير > القيادة تحت النار.. كيف استطاع الفريق الشدادي تغيير مسار المعركة في مأرب؟

القيادة تحت النار.. كيف استطاع الفريق الشدادي تغيير مسار المعركة في مأرب؟

يصادف الاثنين 7 أكتوبر/تشرين الأول 2024، الذكرى الثامنة لاستشهاد الفريق الركن عبدالرب الشدادي، وهو يقود المعارك ضد جماعة الحوثي المدعومة من إيران، في “جبهة صرواح” غربي محافظة مأرب (شمالي شرق اليمن).

كان “الشدادي”، قد ساهم بفعالية في توحيد الجهود العسكرية والمجتمعية للدفاع عن مأرب، قبل أن يتصدّر قيادة معارك التحرير وتوجيه المعركة نحو استعادة الدولة، مع توليه قيادة المنطقة العسكرية الثالثة، في ابريل/نيسان 2015، حيث قاد المنطقة في لحظات خطرة، وأدارها تحت وابل النيران ليغيّر سير المعركة من الدفاع إلى الهجوم وتحرير المناطق التي كان قد سيطر عليها الحوثيون.

حامل راية الجمهورية 

عن دور “الشدادي”، في التصدي لزحف الحوثيين تجاه مأرب بعد سيطرتهم على العاصمة صنعاء، يقول الشيخ ناصر مبروك رقيب، مستشار محافظ مأرب لشؤون الأمن، إن القائد الشدادي، “لبس البدلة العسكرية في الوقت الذي تخلى الكثيرون عن بدلاتهم خوفًا من قادم الأيام”.

ويضيف في تصريح مصوّر لـ“بران برس”، أنه “حمل راية الجمهورية اليمنية في الوقت الذي تخلى عنها من يتربعون على أعلى المناصب القيادية عندما استولت المليشيا الحوثي على العاصمة صنعاء”. واصفًا موقف “الشدادي”، بأنه “واضح وشجاع”.

ولهذا قال: “التف حوله الأحرار من منتسبي المؤسسة العسكرية وأبطال المقاومة الشعبية، واستطاع أن يستوعب الجميع، وقاد الجميع في أحلك الظروف وأشد المواقف”.

القيادة تحت النار

جاء القرار الجمهوري بتعيين “الشدادي”، قائدًا للمنطقة العسكرية الثالثة، في خضم المعركة المحتدمة على أطراف المحافظة. ووفق الشهادات، فقد أدارها بشجاعة منقطة النظير تحت وابل النيران، متقدمًا صفوف الجنود ورجال المقاومة الشعبية للتصدّي للحوثيين.

يقول اللواء الركن فيصل علي قائد حسن، قائد المنطقة العسكرية السابق، في تصريح مصور لـ“بران برس”، إن المرحلة التي قاد فيها “الشدادي” المنطقة العسكرية الثالثة كانت “صعبة جداً” مع بداية الانقلاب الحوثي، وفي الوقت الذي “تلفت الناس والقادة، ومعظمهم راح الخارج، والبعض التزم بيته، فيما البعض ساند الحوثي”.

ن جانبه، يقول الشيخ “ناصر مبروك”، إن الفريق الشدادي، “لم تؤثر عليه القذائف والرصاص الذي كان ينهال عليه في مقر قيادته، وأدار المعركة حتى جاءت فرصة الانتصار واندحار المليشيا الحوثية”. 

ويضيف أن “الشدادي”، قاد المعارك في كل الاتجاهات، ورغم كونه القائد إلا أنه كان يتقدم المقاتلين مع تقدم المعارك”. مضيفًا أنه “زرع الثقة في نفوس رجاله، ومن حوله من الأبطال المقاومين، وبقي على هذا الحال” حتى استشهاده.

إعادة تفعيل الجيش

كان للشدادي، دور “بارز” في مواجهة الحوثيين، وفق اللواء فيصل علي، الذي قال إنه “صمد في الميدان وجمع الضباط والأفراد الذين جاءوا من الوحدات الأخرى إلى المنطقة الثالثة، وشكَّلهم في كتائب وسرايا ودخل بهم المعركة من جديد”.

وعن وضع الجيش اليمني في تلك الفترة عند الانقلاب الحوثي، أوضح أنه “تشظى إلى أكثر من شظية، فجزء منه راح مع الحوثي، وآخر راحوا في البيوت، وثالث هاجر إلى الخارج، وجزء جاء إلى مارب”.

وكان دور “الشدادي”، في الجزء من الجيش الذي أتى إلى مأرب. يقول فيصل علي، إنه “نظمهم ورتبهم ودخل بهم مراحل قتال”. إلى جانب “استقبال المتطوعين من القبائل في صفوف الجيش لمساندة الجيش في القتال آنذاك”. واصفًا هذا الدور بأنه “بارز وقوي جدًا”.

معارك فاصلة

ميدانيًا، قال اللواء فيصل علي، إن “الشدادي”، تحرك في الجبهات “وكان في مقدمة الجبهات، وأولها عندما دخل الحوثي إلى منطقة الجفينة (جنوبي مدينة مأرب)، ومن ثم تم تحريرها والانطلاق باتجاه صرواح، ولذلك استشهد وهو في الموقع الأول”.

توضح شهادات رفاق “الشدادي”، أنه شرع مع أفراد المنطقة ورجال المقاومة بتحرير محيط مدينة مأرب، وزادت وتيرة العمليات العسكرية مع وصول معدات وآليات عسكرية من التحالف العربي بقيادة السعودية إلى منطقة “صافر” في أغسطس/آب 2015.

وحينها، بدأت قيادة الجيش بالإعداد للمرحلة الأولى من تحرير مأرب، بقيادة الفريق الشدادي. وانطلقت العمليات في 13 سبتمبر/أيلول من العام نفسه، ونجحت بتحرير مناطق السد والجفينة وصولاً إلى “معسكر كوفل” وصرواح غربي المحافظة.

وبعدها أطلقت المرحلة الثانية لتحرير مديريات الجدعان ومعسكر “ماس”، شمالي غرب المحافظة وصولًا إلى مفرق الجوف. ومن ثم توسع نطاق المعارك، وتكللت باستعادة الجيش لمعسكر “فرضة نهم” شرقي العاصمة صنعاء، وأجزاء واسعة من مديرية نهم.

ولاحقًا، انطلقت العمليات باتجاه مديرية حريب جنوبًا، ووصولًا إلى عمق محافظة البيضاء، وغربًا لاستكمال تحرير مديرية صرواح، واستشهد فيها القائد الشدادي، في الخطوط الأمامية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2016.

شجاعة وإقدام وتواضع

طيلة العقد الأخير، تصدّرت شجاعة “الشدادي”، وبطولاته وأخلاقه العالية وقيمه النبيلة أحاديث القادة والجند يتداولونها بفخر واعتزاز، مؤكدين أنه تميّز بصفات قيادية وكاريزما شخصية لا يمتلكها الكثيرون.

يقول اللواء فيصل علي، إن الفريق الشدادي، “كان مقدام وصلب وفارس لا يشق له غبار”، وأكبر دليل على هذا استشهاده في الصف الأمامي، وفق قوله.

فيما يقول الشيخ ناصر مبروك، إن ”الشدادي”، كان “مثالًا في الشجاعة، ومثالًا في التواضع بما تعنيه الكلمة”. مضيفًا أن “الإقدام كان أبرز ملامحه. كان في مقدمة القوم، وإذا تأخر القوم تقدم”. 

ويتابع حديثه قائلًا: “كان عنده رباطة جأش، وكان قريب من الناس. يعيش بين أفراده، ويتلمس شعور أفراده وقادته. ويحرك الناس بإقدامه وشجاعته.”

من جانبه، يقول القيادي في مقاومة مأرب، أحمد الشليف (أبو جهم)، لـ“بران برس”: “ما عرفت عن هذا القائد العظيم، إلا الصدق، والشجاعة، والكرم، والإقدام، والحكمة، والمرونة، والفراسة، والتخطيط العسكري، وسرعة مباغتة العدو”.

مواقف لا تنسى

يحتفظ القادة والجنود في مأرب الذين رافقوا “الشدادي”، وقاتلوا معه بالعديد من المواقف والذكريات التي يصفونها بأنها “لا تنسى”، وجميعها تتركز حول الحيوية والروح العالية التي كان يتمتع بها، واستبساله في مواجهة “العدو”.

القيادي بمقاومة مأرب، أحمد الشليف، يروى لـ“برّان برس”، كلمة “لا تنسى” قالها له “الشدادي”، بعد أن استدعاه إلى مكتبه لتدارس الوضع أثناء زحف جماعة الحوثي صوب المحافظة، بعد سيطرتها على العاصمة صنعاء. 

أثناء اللقاء، قال إن “الشدادي” قال له: “أنت وأنا وكل الأحرار سنموت، ولكن نريد أن نموت موتة تغيض الأعداء ونرضي بها ربنا”. مضيفًا: “على ذلك رسمنا خطة المواجهة، وربطنا أكفاننا على رقابنا، وكان لنا النصر والتمكين بفضل من الله ثم الرجال الأبطال الذين هبوا إلى ميدان المعركة ومرغو أنوف الغزاة على تراب مأرب”.

فيما روى الشيخ ناصر مبروك، هو الآخر لـ“بران برس”، موقف وكلمة “لا تنسى” سمعها عن الفريق الشدادي، قائلًا: “دخلت عليه يوم من الأيام وعنده كثير من قادة المواقع والجبهات، وقال كلمة لم أنساها قال: اليوم انتهى وقت المكاتب سننطلق إلى صرواح للجبهة، ونقود المعركة حتى النصر أو الشهادة”. 

وأضاف الشيخ ناصر، معلقًا على هذا الموقف والكلمة: “قالها وهو صادق، وتحرك إلى الجبهة، وقادة الجبهة وحقق الكثير من الانتصارات، وسار على هذا المنوال حتى نال الشهادة”.

اللواء فيصل علي، من جانبه، يحتفظ بالعديد من المواقف والذكريات التي عاشها مع الفريق الشدادي، ومنها قوله: قبل استشهاده بشهرين، جاءني ونحن في قطاع ماس (شمالي غرب مأرب). وكنا في نقطة مراقبة، والمعركة تجري، والعدو (الحوثيين) أمامنا. جلس قليل ثم نزل من اتجاه العدو مباشرة، كنت أناديه: ارجع من هنا، ارجع من هنا (مسلك آمن). فأبى إلا أن يمشي من ذلك الاتجاه، ولحقه مرافقوه، واتجه نحو المعركة، وأصيب بعدها بساعتين، وأسعف للمستشفى، ونجا منها”.

دعوة لاستلهام الدروس

رغم الفراغ الإداري الشامل الذي أحدثه اجتياح الحوثيين للعاصمة صنعاء أواخر 2014، واستيلائهم على مؤسسات الدولة المدنية العسكرية، إلا أن “الشدادي”، استطاع تفعيل المنطقة واستقبال مئات المجندين والمتطوعين بإمكانيات منعدمة. وفوق هذا خاض معركة دفاعية بعدّة جبهات، قبل أن يبادر لشن هجوم واسع لاستعادة المناطق التي احتلها الحوثيون، ويحقق انتصارات كبيرة ومتلاحقة.

وفي الذكرى الثامنة لاستشهاده، يقول اللواء فيصل علي: “نتذكر الفترة التي عاش فيها الشدادي، والروح العالية التي كانت موجودة، والتظافر للجهود”. موجهًا عبر “بران برس”، رسالة لـ“أبناء اليمن كافة- الشعب والقيادات والأحزاب- يجب أن تتظافر الجهود، ونتذكر تلك التضحيات لتكون نبراسًا لنا، ومنارًا لنا لكسر الانقلاب”.

ويحذّر من أن “خطر الحوثي ليس على فئة دون فئة أو حزب دون حزب، وإنما على الشعب اليمني بشكل عام، ولذلك لا بد من تكاتف كل الجهود وإعادة الشرعية للشعب والدولة”.

وباختصار، يقول الشيخ ناصر مبروك، إن “الشدادي، هو بحق وحقيقة مؤسس الجمهورية الثانية، وقائد جيشها ومقاومتها الشعبية”. مشددًا على ضرورة “مراجعة تاريخ هذا القائد البطل، والاستفادة من مواقفه والصفات التي كان يحملها، والاستفادة من الإرث العسكري الذي خلفه وغيره من القادة الأبطال”.

ووجه الشيخ ناصر، دعوة لكل الذين خاضوا المعارك إلى جانب الشدادي قائلًا: لا بد أن نكون على نفس مسار الشدادي، من حيث الإقدام والصدق والإخلاص والوفاء للوطن، وأن نحمل الهم الذي كان يحمله، ونكون جاهزين لمواصلة المشوار حتى نحرر بلدنا من شر المليشيا الحوثية، التي دمرت كل جميل في اليمن”.