ارتفعت حدة الضغوط التي تتعرض لها الحكومة اليمنية للموافقة على صفقة يتم بموجبها منح مجموعة موانئ أبو ظبي إدارة ميناء عدن وسط جدال واسع وتحفظ حول الجدوى من الإقدام على مثل هذه الصفقة، بعد فشل وتعثر ما سبقها من اتفاقيات لتشغيل الميناء كبدت اليمن خسائر فادحة.
وانتشرت أخيراً مذكرة موجهة من رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي المدعوم من الإمارات عيدروس الزبيدي وهو نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، إلى رئيس الحكومة أحمد بن مبارك، يدعوه فيها للنظر في الجوانب القانونية والمالية والإدارية لإنشاء وتسجيل "شركة عدن لتطوير الموانئ" والتفاوض مع مجموعة موانئ أبو ظبي والاتفاق معها على إقامة شراكة استثمارية مع شركة عدن لتطوير الموانئ.
وعلم "العربي الجديد" أن هناك اتفاقية جاهزة وضعتها لجنة وزارية العام الماضي يتم بموجبها تسليم ميناء عدن لمجموعة "موانئ أبو ظبي"، وهو ما تتحفظ عليه الحكومة التي تواجه أول اختبار لرئيسها الجديد الذي لم يمض على تعيينه أكثر من أربعة أشهر.
مسؤول سابق في وزارة النقل اليمنية، فضل عدم الإشارة إلى اسمه، أوضح لـ"العربي الجديد"، أن عملية إدارة ميناء عدن تمثل مشكلة مزمنة في اليمن منذ ما قبل الاتفاقية الموقعة مع شركة موانئ دبي قبل أكثر من 15 عاماً، وما تلاها من تعطيل لأنشطة الميناء والمنطقة الحرة، ليتم على أثر ذلك، بعد تدخل من الرئيس عبدربه منصور هادي في العام 2013، مراجعة مثل هذه الاتفاقيات الاستثمارية وعملية تشغيل موانئ عدن ومنح إدارة تشغيلها لشركة صينية في إطار التوجه الذي كان سائداً آنذاك والذي جاء في إطار الاهتمام الصيني باليمن وموقعه الاستراتيجي المرتبط بمشروع "طريق الحرير".
من جانبه، رأى الباحث الاقتصادي علي قايد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن العالم يشهد عودة لصراع الأقطاب بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي من ناحية، والصين وروسيا من ناحية أخرى، واليمن أصبح مسرحاً لهذا الصراع منذ فترة الأحداث الأخيرة التي تدور رحاها في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.
لذا هناك عودة، بحسب قايد، للحديث عن مواقع أخرى في اليمن أهمها ميناء عدن، وهو محل جدل واسع وأطماع في إطار هذا الصراع العالمي حيث تريد الصين تجديد اتفاقيتها الاستثمارية لإدارة وتشغيل المنطقة الحرة وميناء عدن، في حين ترمي الإمارات بكل ثقلها للاستحواذ على الميناء والتي كما يعلم الجميع لديها علاقة واسعة ونفوذ بما هي دولة في التحالف الذي قادته السعودية في الحرب اليمنية لدعم السلطة الشرعية المتمثلة بالحكومة المعترف بها دولياً في مواجهة الحوثيين.
صفقات ميناء عدن وحذر برلمانيون يمنيون من مثل هذه الاتفاقيات بسبب الصفقات التي مر بها ميناء عدن والذي عرف وفق أحد البرلمانيين بمحنتين؛ الأولى مع الشركة السنغافورية كبّدت خزينة الدولة ما يقرب 150 مليون دولار حتى انتهى العقد الكارثي معها، والثانية مع شركة دبي وتم دفع مبلغ 23 مليون دولار لإنهاء العقد الذي يجمع اليمنيون على كارثيته وكلف البلاد كثيراً على كافة المستويات بتعطيل أحد أهم المواقع والمنافذ البحرية المتمثل بميناء عدن، وفي الوقت الذي لم يتعاف فيه اليمن من تبعات هاتين الصفقتين في ظل ما تمر به من ظروف وأوضاع استثنائية صعبة بسبب الحرب والصراع الذي تشهده منذ العام 2015؛ فيما تلوح في الأفق كارثة جديدة بسبب أوضاع الانقسام.
الباحث الاقتصادي مراد منصور، يقول لـ"العربي الجديد" إنه لا يمكن اعتراض أي جهة سواء "موانئ أبو ظبي" أو غيرها في حال كان الهدف من إبرام مثل هذه الاتفاقية استثماريا في مصلحة مشتركة لليمن والجهة المستثمرة، لكن ما يجري هنا عبارة عن استغلال لوضع اليمن حيث دولة الإمارات أحد اللاعبين والنافذين المؤثرين بشكل كبير في أحداثه.
كذلك يلفت منصور إلى فصيل طارق صالح الذي يتموضع في المخا والساحل الغربي لمحافظة تعز الممتد حتى باب المندب والذي يعتبر منطقة استراتيجية مهمة في اليمن وكذا في الصراع الدولي القائم.
الباحث الاقتصادي مجدي عامر، يتطرق في هذا الصدد في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى مصير الاتفاقيات التي أبرمتها الحكومة المعترف بها دولياً في عهد رئيسها السابق معين عبد الملك وكانت من الأسباب التي أطاحت به حيث مست بقطاعات سيادية لا تسمح أوضاع وظروف اليمن الراهنة بالتوقيع على مثل هذه الاتفاقيات في قطاعات الاتصالات والحقول النفطية، والآن ما يتم التمهيد له من مشكلة في الاتفاقية التي لايزال الجدال والخلاف كبير حولها للاستحواذ على إدارة وتشغيل ميناء عدن.
كان رئيس الحكومة اليمنية أحمد بن مبارك قد تردد أكثر من مرة منذ مايو/ أيار الماضي على المنطقة الحرة وميناء عدن في زيارات تفقدية لأعمال وأنشطة ميناء عدن، في ظل جدل واسع حول أراضي المنطقة الحرة التي يتم التصرف بها، ومتابعة سير العمل بالميناء والوضع المالي والمحاسبي لشركة "تطوير موانئ عدن".