الرئيسية > اخبار وتقارير > اليمن وعدة دول في مواجهة تحدي: ماذا بعد؟

اليمن وعدة دول في مواجهة تحدي: ماذا بعد؟

اليمن وعدة دول في مواجهة تحدي: ماذا بعد؟

يعزى الفشل في وضع حد للحروب والأزمات والخلافات إلى الإخفاق في وضع تصور للمستقبل، يشارك الجميع في صنعه وتحمل مسؤولياته، ويتقاسمون فيه منافع السلم والشراكة.

تدلنا تجارب التاريخ، القديم والحديث، أن الكثير من الحروب والأزمات والخلافات طالت، وتعمقت واشتدت، بفعل الخوف من حسابات اليوم التالي، لأنه يوجد دائماً ثمة من يعتقد أن ليس من مصلحته البحث عن تسويات تفرض عليه تقديم تنازلات، رغم أن الطرف الآخر سيكون معنياً أيضاً بتقديم تنازلات، وبالنتيجة تستمر الحروب والأزمات في معارك كسر عظم، للمفارقة غالباً ما تنتهي بتسويات سياسية كان من الممكن الوصول إليها في وقت مبكر، وتوفير خسائر بشرية ومادية فادحة.

 

وتفرض حسابات اليوم التالي نفسها على الدعوات للحوار، ومن ثم جولاته ومخارجه، وتتواصل في طريقة التعاطي مع تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، مما يضع مخرجات الحوار على حافة الصراع مرة ثانية، ويمكن إعطاء العديد من الأمثلة المعاصرة في الحالة العربية، وما زلنا منذ سنوات نعيش فصولها ما بين جمود يعقبه أحياناً تقدم نسبي ومن ثم تقهقر إلى نقطة الصفر.

 

على سبيل المثال لا الحصر، جولات الحوارات الماراثونية لإنهاء الانقسام الداخلي الفلسطيني، الذي بدأ منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، وخرج بالعديد من المبادرات والاتفاقات لم تجد طريقها للتنفيذ. وكذلك الحوار بين السلطة والمعارضة في السودان، الذي مرَّ وما زال بحالات مد وجزر وتبدلات، آخرها رفض المعارضة لدعوات الحوار الوطني، التي أطلقها الرئيس عمر حسن البشير، وتعلل المعارضة موقفها بعدم وجود ثقة بالقصد من وراء الدعوة، ومدى رغبة السلطة في حوار جاد ومثمر، وإمكانية أن تلتزم بتطبيق نتائجه. في الجهة المقابلة تشكك الحكومة السودانية بأجندة وأهداف المعارضة، واستعدادها للتوافق مع الحكومة على برنامج قاسم وطني، يؤسس لشراكة.

 

والخلافات المحتدمة في لبنان بين فريقي (8 آذار/مارس) و(14آذار/مارس)، واشتدادها أمام الاستحقاق الرئاسي، أو استحقاق رئاسة الوزراء وتشكيل حكومة جديدة، وهي أزمة مزمنة اشتدت بعد عام 2005، ومنذ صيف العام الماضي أخفق مجلس النواب، لما يقارب عشرين مرة، في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، خلفاً للرئيس ميشال سليمان. وقبلها لم تثمر جولات الحوار بين القوى السياسية في وضع استراتيجية وطنية موحدة.

 

يتضح حجم المأزق، جراء عدم السعي لتوفير مقومات الحوار وإنجاحه، والآثار السلبية الكبيرة التي تترتب على ذلك في الأزمات الساخنة، وفي مقدمتها العراق وسورية وليبيا واليمن، حيث مازالت القوى السياسية العراقية منقسمة على نفسها، بصرف النظر عن توحد غالبيتها الساحقة ضد تنظيم (داعش)، والخلافات ورثها العراقيون من نظام المحاصصة السياسية الذي فرضه الاحتلال الأميركي.

 

اليمن قدم نموذجاً مختلفاً، ففي بداية الحراك الشعبي المعارض انتشرت مخاوف على نطاق واسع من اندلاع صراعات قبلية، ودخول البلاد في حرب أهلية، لكن اليمنيين أثبتوا أنهم متمسكون بالسلمية، ونجح المتحاورون في التوافق على مخرجات للحوار، كانت تضمن عبور المرحلة الانتقالية، وتثبيت مؤسسات يمن جديد، لولا تجدد الخلافات بين القوى السياسية لنكوص العديد من القوى عنها، والاحتكام إلى لغة السلاح، وعودة شبح نشوب حرب أهلية- قبلية- مذهبية.

 

ولم يثمر الحوار بين الطرفين المتصارعين في ليبيا، المؤتمر الوطني ومجلس النواب، عن نتائج إيجابية عملية حتى الآن، ولم يعبر الحوار بعد عتبة الاتفاق على الأسس والمبادئ، ومن المتوقع أن يمر بامتحانات صعبة، أصعبها تطبيق ما يتم الاتفاق عليه، وكيفية ضبط المليشيات المسلحة، سواء تلك التي تدعم المؤتمر الوطني أو مجلس النواب.

 

المثال السوري هو الأكثر تعقيداً، حيث ترفض العديد من القوى السياسية، وكذلك المجموعات المسلحة على الأرض، مبدأ الحوار، ولا تحظى الدعوات للحوار بدعم دولي أو إقليمي بالمستوى المطلوب، الذي يمكِّن من إعادة إطلاق الحوار ورعايته وإنجاحه، والعمل على تطبيقه لاحقاً، وفق جدولة زمنية ملزمة وتحت رقابة محايدة. والحوارات التي أجريت تحت إشراف الأمم المتحدة، أو بوساطة قوى كبرى، لم تكسر جليد المواقف حيال الحوار.

 

وإذا وضعنا جانباً الفوارق بين الأمثلة المذكورة، المزمنة والساخنة، والتي تعود إلى خصوصية كل حالة، كلها تشترك في أن الفاعلين فيها يخشون مواجهة تحدي سؤال: ماذا بعد؟ فالإجابة على هذا السؤال تعني تقديم تنازلات متبادلة، والالتزام بصيغ تقتضي التخلي عن الحسابات الضيقة، والنظر إلى الحلول من زاوية المصلحة الوطنية العامة، وأهم ما فيها حقن الدماء.

 

وللتوكيد، في النهاية لابدَّ من حوار وتسويات سياسية، ومن شأن أي تأخير أن يزيد من الخسائر البشرية والمادية، حقنها والحيلولة دونها واجب إنساني وأخلاقي.

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)