وسط تهديدات بريطانية وأمريكية بالتصدي للهجمات الحوثية في البحر الأحمر، لا تزال الأحداث تشهد تصاعداً، خصوصاً بعد تصنيف واشنطن للحوثيين كمنظمة إرهابية عالمية واستهداف سفيتنين أمريكيتين في البحر الأحمر. وتعكس تصريحات رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك ووزير دفاعه غرانت شابس، بأن «الكيل قد طفح» من الهجمات الحوثية، وأن استهداف مواقعه لن يكون الأخير إذا استمرت الهجمات على خطوط الملاحة الدولية.
وعلى الصعيد اليمني، فإن التخوفات لم تكن رسمية فحسب، بل امتدت إلى مجالس السياسيين وشرائح المجتمع الأخرى في الشمال والجنوب، خصوصاً أن هناك نحو 85% من اليمنيين يعيشون تحت خط الفقر؛ بحسب إحصاءات الأمم المتحدة.
وفي هذا السياق، شدد رئيس تحرير صحيفة (المشهد) اليمني عبدالرحمن البيل، على ضرورة ضبط النفس؛ نظراً لخطورة المرحلة الحالية وأهمية إخراج اليمن من بؤرة الصراعات إلى الاستقرار والتنمية، لافتاً إلى أن بيان الخارجية السعودية وضع النقاط على الحروف، وحدد الآلية الممكنة للعودة إلى جادة الصواب؛ خصوصاً أن القمة العربية -الإسلامية في الرياض، وضعت آلية التعامل مع الحرب في غزة. وأكد أن التصعيد في البحر الأحمر لا يخدم الشعب اليمني ولا المنطقة، وإنما يخدم مخططات إسرائيل ومن يقف خلفها عبر استدعاء الأساطيل والسفن الحربية إلى المياه الإقليمية وزيادة التوترات والأزمات التي تواجه شعبنا في ظل ارتفاع تكاليف التأمين على السفن.
وقال البيل «إن هذه المنطقة يجب أن تكون (دوحة) للسلام لا بؤرة للصراعات العالمية، وهو ما نأمله ونتطلع من الجميع تحكيم العقل والعودة إلى جادة الصواب بعيداً عن المخططات والمؤامرات التي تسعى إسرائيل وزبانيتها الذين يعملون على إيجاد الذرائع لاستمرار الصراعات والحروب». وأضاف أن خفض التصعيد وإسناد تأمين خطوط الملاحة الدولية للقوات اليمنية الشرعية وتقديم الدعم والإسناد اللوجستي والعسكري لها من قبل المجتمع الدولي، بعيداً عن عسكرة المياه الإقليمية والدولية التي لن تكون في مصلحة أحد. ولفت إلى أن الشعب اليمني ضاقت به الحال من الحروب والصراعات، ولم يعد يتحمل مزيداً من المغامرات غير المحسوبة التي يرى بأن نتائجها ستكون وخيمة عليه وعلى مستقبل الأجيال القادمة في ظل الأزمة الاقتصادية والدمار الكبير الذي حل بالبنية التحتية، ما قد يؤدي إلى مجاعة فعلية.
من جهته، اعتبر رئيس مركز (أبعاد) للدراسات الإستراتيجية عبدالسلام محمد لـ«عكاظ»، أن أحداث البحر الأحمر ليست وليدة اللحظة ولا الصدفة وليس لها علاقة بغزة أو فلسطين، وإنما المخطط يدار من سنوات عدة لإغلاق الممرات الدولية في البحر الأحمر والبحر العربي، لافتاً إلى أنه جرى خلالها تعزيز سلاح الحوثي البحري من قبل الجهة الداعمة لهذا المخطط وتقديم الدعم اللوجستي من قوارب مفخخة وصواريخ بحرية ومنظومة اتصال بحري وسفن رصد في الممر الدولي. ورأى أن الحرب الإسرائيلية كانت بمثابة فرصة للحوثي للحصول على أكبر قدر من الشعبية، والظهور بمظهر المناصر لفلسطين، وتحقيق مخطط الداعمين، والبحث عن شرعية للاعتراف بسيطرته على مناطقه. وأكد أن الحوثي بهذا التصعيد في البحر الأحمر يحاول التهرب من الالتزامات أمام المجتمع الدولي الساعي لتحقيق الاستقرار والتنمية في اليمن، وإنهاء المعاناة والمجاعة والأزمات التي تعصف باليمنيين، بدلاً من الذهاب إلى الفوضى. ولفت إلى أن القوات الدولية إذا لم تكبح جماح الحوثي وداعميه فإنه سيخرج من هذه المعركة بصورة «المنتصر» لكنه سيقوم بأعمال عدائية ضد الشعب اليمني.
بدوره، حذّر المحلل الاقتصادي اليمني فارس النجار، من خطورة التصعيد في البحر الأحمر، معتبراً أن تداعياته ستكون كبيرة على مستوى التجارة الدولية والوضع الاقتصادي، وشدد على ضرورة ضبط النفس وإعادة النظر في الآثار والنتائج السلبية لهذه الفوضى غير المحسوبة في المياه الإقليمية.
وقال في تعليق لـ«عكاظ»: إن حجم التجارة الدولية يقدر بنحو 30 ترليون دولار؛ 10% منها تمر من البحر الأحمر الذي أصبح منطقة نزاع؛ بمعنى أن 21 ألف سفينة كانت تمر سنوياً من هذا الممر المائي، والآن تجد صعوبة بالغة في ظل عسكرة المياه الدولية ما سيؤدي إلى خسائر يومية تقدر بـ45 مليون دولار يومياً؛ أي أكثر من 16 مليار ونصف المليار دولار سنوياً. ولفت إلى ارتفاع تكلفة الشحن في الموانئ اليمنية منذ بدء التصعيد من ثلاثة آلاف دولار إلى تسعة آلاف، وهو ما سينعكس على الوضع المعيشي وارتفاع أسعار السلع الغذائية، ما يفاقم حالة انعدام الأمن الغذائي ويضعف إيرادات الدولة العامة.
وحذّر النجار من أن الفوضى في البحر الأحمر ستؤدي إلى حرمان البلاد من إيرادات السفن التي تمر للتزود بالوقود والصيانة التي نطلق عليها القدرة التنافسية للموانئ اليمنية.