لا ملجأ للكوادر الطبية في صنعاء سوى العمل دون أجر مع مليشيا الحوثي، أو الهجرة إلى دول الجوار والعالم، نتيجة تعسفات تتزايد يوماً بعد يوم، حتى صارت العاصمة صنعاء، شبه خالية من الاستشاريين المتخصصين في علوم الطب والجراحة. وقال استشاري يعمل في هيئة مستشفى الثورة العام إن هجرة الأطباء زادت وتيرتها، خصوصاً من العاملين في المشافي الحكومية، نتيجة الضغوط التي تمارس ضدهم من قبل المليشيا. وأضاف الاستشاري في حديثه لـ "العاصمة أونلاين" أن من الأسباب التي أجبرت الاستشاريين إلى المغادرة، توقف المرتبات وأيضاً التضييق الحوثي الممنهج الذي وصل إلى الاختطاف والفصل ومخاطبة المشافي الخاصة بعدم استيعاب كوادر المستشفيات الحكومية. وأوضح أن الاستشاري أو الطبيب المتخصص ينتظر أي فرصة للخروج والنجاة بنفسه وأسرته من المضايقات التي لم تترك لهم أداء دورهم الإنساني، فالأمر مرعب حد وصفه، لذا لا يستغرب إن وصلته معلومات عن مغادرة طبيب من صنعاء أو غيرها من المحافظات إلى أي دولة صديقة أو شقيقة. في سياق متصل، تعرض عدد من الأطباء للفصل من قوائم وزارة الصحة الخاضعة للمليشيا أو من قوائم المستشفيات الحكومية التي هم من كوادرها وذلك على خلفية عملهم في مستشفيات خاصة أو مغادرة البعض للخارج. مصدر في صحة الحوثيين، أكد ذلك وقال بأنهم لا يستطيعون إيقاف الأطباء المغادرين للخارج، أما الذين يعملون في مشافي خاصة ولا يقومون بعملهم في المستشفيات الحكومية يتم فصلهم، وقد فصل الكثير منهم. المصدر أكد أيضاً مخاطبة قيادة وزارة الصحة والجهات المعنية المشافي الخاصة بعدم قبول أطباء في محاولة منهم للضغط على الأطباء وإرجاعهم للعمل دون أجر. وأضاف "عندما ننذر الأطباء مرات عدة بالالتزام بدوامهم الرسمي حسب قانون الخدمة المدنية، إلا إنهم لا يبالون، ويطلبون بفصلهم كونهم دون مرتبات". ويشار أن من أسباب مغادرة الأطباء إلى خارج البلاد، الهروب من آلة القمع الحوثية، والتي تعرض لها عدد من زملائهم الأطباء، ومنهم (ياسر عبدالمغني) الأكاديمي في كلية الطب بجامعة صنعاء، ومدير مستشفى "يشفين" الذي تعرض للاختطاف والسجن من قبل الحوثيين في نوفمبر 2022. ويأتي اختطاف الأطباء مع حملة أخرى موازية وهو السيطرة على المستشفيات تحت ما يسمى الحارس القضائي، وقد سبق بأيام اختطاف عبدالمغني ومصادر المستشفى الذي كان يديره اختطاف مدير عام مستشفى السعودي الألماني الدكتور عبدالله الداعري، علماً أن السعودي الألماني أصبح تحت سيطرة المليشيا مع مشافي كثيرة تديرها بالآلية الاستحواذية المعهودة من المليشيا. واعتبر مختصون في الشأن الصحي جرائم اختطاف الاستشاريين وإخفائهم قسرياً يندرج ضمن خطه الحوثيين للتضييق على الكوادر الوطنية المؤهلة لدفعها للهجرة خارج البلد، ومن ثم مساعيها للاستحواذ على المستشفيات الخاصة، عقب سيطرتها التامة على المستشفيات الحكومية، وتفريغها من الأطباء ذوي الخبرة والكفاءة. المختصون بينّوا أن كل ذلك أدى إلى انهيار القطاع الصحي وتردي الخدمات الطبية المقدمة للمواطنين، خصوصاً أن الهجرة للأطباء متواصلة وزاد منها عدم مقدرة الأطباء على التكيف مع ما تفرضه الجماعة من معتقدات طائفية لا جدوى منها سوى إفراغ العمل الطبي من محتواه الإنساني. ووفقاً لمعلومات سابقة فإن عدد الأطباء في صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرة المليشيا ككل لا يتجاوزن 2100 طبيب، بينما الممرضون يصلون إلى 18 ألف ممرض. ويذكر أن احتياج البلاد إلى المزيد من الأطباء والممرضين يتضاعف في ظل النمو السكاني المتسارع وتدهور الأوضاع الاقتصادية والصحية وانتشار الأوبئة.