قال الكاتب والمحلل السياسي العربي عزمي بشارة أن اليمن وليبيا بلدان متراميا الأطراف ذوا بنية دولة/ أمة هشة، وبنى أهلية محلية قوية. فالأمة قابلة للتفتّت من جهة، والبنى الجماعية المحلية قادرة على العيش طويلاً، وحتى الانتعاش، في ظل حرب أهلية، من جهة أخرى. والقطران العربيان يقفان على حافة الحرب الأهلية الشاملة. تناول مقال الأمس ضرورة الحسم بين التسوية والحرب الأهلية في ليبيا، ومقال اليوم يتطرّق إلى هذه الضرورة في اليمن.
وبين المحلل السياسي أن الحوثيين أصبحوا قوة عسكرية رئيسية في اليمن، في غياب جيش يمني منظّم. أصبحت هذه من حقائق اليمن غير القابلة للإلغاء، بالعودة إلى ما كان قبلها. إنها حقيقة صلبة تفرض التسوية، فلا يمكن حسم المعركة مع الحوثيين عسكرياً، مثلما لا يمكنهم الاستمرار في حكم اليمن وحدهم.
وأضاف "لقد راكموا هذه القوة لأن غيرهم راكم الأخطاء، إذ ارتكبت الأطراف التي حكمت اليمن، في المرحلة الانتقالية، أخطاء فادحة، ولم تقصّر في ارتكابها دول الخليج أيضاً التي تعاملت مع حكومة أحزاب اللقاء المشترك وحزب المؤتمر وكأنها حكومة إخوان مسلمين، فأوقفت دعمها. وبعضها راهن على علي عبد الله صالح، لتخريب المرحلة الانتقالية. والحقيقة أن صالح أفشل المبادرة الخليجية ببقائه رئيساً لحزب حاكم في اليمن، وهذا موقع مكّنه من فعل الكثير".
وأشار بشارة إلى أن جماعة الحوثي قد اكتسب قوتها بسبب التحالفات التي دخلتها وبسبب ما تعرض له خصومها من انتكاسات حيث قال "داخلياً، حاول عبد ربه منصور هادي أن يتحوّل من رئيس انتقالي إلى رئيس دائم، يعتمد على قوته الخاصة، ويبدو أنه صدّق أن إضعاف حلفائه سوف يقويه. ولا يوجد تفسير آخر لتصرفه وكأنه يضرب "الإصلاح" والحوثيين ببعضهم من دون التدخل. وتجلى ذلك بوضوح في مدينة عمران، حيث ضرب الحوثيون "الإصلاح" وقوة الجيش الموالية للإصلاح فيها. وبعد أحداث عمران، طرد هادي 23 ضابطاً من رجال علي محسن الأحمر في الجيش، بضغط من دولة خليجية. وكان من شأن هذا الأمر شلّ أيدي الأخير في الجيش، وتعريضه للضرب بسهولة، ولا سيما بعد أن أصبح هو نفسه مدنياً".
وبين الكاتب أن علي صالح الذي تحالف مع الحوثيين من أجل ضرب خصومه لم يعد في منأى اليوم مما يحصل في الساحة اليمنة وانه اصبح هو الآخر محاصر حيث قال " واعتقد صالح أن في وسعه التحالف مع الحوثيين، لكي يضرب "اللقاء المشترك" وهادي سويّة. وكانت نتيجة هذه المناورات أن ازدادت قوة الحوثيين، بشكل لم يتوقعوه هم بأنفسهم. وفوق هذا، انضمت إليهم أوساط تميل عادة للانجذاب للقوي، ومنهم زعماء قبائل في الشمال وضباط كانوا سابقاً من أتباع صالح. لم يدرك صالح أن ذاكرة الحوثيين ليست كذاكرة الأسماك، وأنهم بدورهم يستخدمونه أداةً، اكتسحوا كل شيء، ولم يبق سوى بعض معسكرات القوات الخاصة التابعة له، وحتى هذه يحاصرونها من دون أن يدخلوها".
وحول شرعية هادي بين الكاتب إن السبيل الوحيد للحصول عليها هو أن يتوجه هادي للشعب فهو حتى هذه اللحظة بلا قاعدة شعبية وقال "في عدن، لم يجد هادي الوقت حتى لتوجيه خطاب لليمنيين بعد كل ما جرى، وهو سعيد جداً كما يبدو باستقبال السفراء، وباعتراف دول الخليج به، بعد أن أهملته، وهو في منصب الرئاسة. ولكن، هذا لا يكفي. عليه أن يتوجه للشعب اليمني. ليست لديه قاعدة شعبية واضحة حتى في عدن، قاعدته في أبين، وهي من بقايا المليشيات التي شكلت عام 2012 لمحاربة القاعدة. وليست لديه فرصة للعب دور سوى بالتصرف رئيساً شرعياً، يتوجه للشعب اليمني بشكل عام، ويقود التوجه نحو التسوية".
وانتقد الكاتب موقف بعض قيادات الأحزاب ورجال القبائل حيث قال "لا يمكن الانتصار على الحوثيين بالرهان على رجال قبائل، يتجولون في الرياض وجدة، بحثاً عن دعم لتشكيل مليشيات قبائلية. الحوثيون غير قادرين على الاستمرار. ومن ناحية أخرى، لا يمكن استثناؤهم من أي تسوية، فهؤلاء، في النهاية، قوة يمنية قائمة ومنظّمة. ولم يكن استثناؤهم صحيحاً في الماضي أيضاً. ولكن، عليهم أيضاً التصرف كقوة يمنية، وكحزب يقبل التعددية، ولا يحاول أن يفرض نفسه، ولا حتى ممثلاً للزيديين، فهو لا يمثلهم".
وأختتم الكاتب مقاله الذي نشره اليوم موقع العربي الجديد بالحديث عن القوة الحقيقية التي تقف حجر عثرة أمام جماعة الحوثي ألا وهي التظاهرات الشعبية حيث قال "القوة الاستراتيجية الأهم في مواجهتهم، حالياً، هي التظاهرات الشعبية ضدهم في المناطق التي يسيطرون عليها. هذه قوى اجتماعية سياسية حقيقية، ذات علاقة مباشرة بمطالب الثورة اليمنية التي يحاول الحوثيون الاستناد إلى شرعيتها، وهي تدعم الشرعية، ولديها تصورات لنظام الحكم. أما القوى الأخرى فهي قوى فئوية غير منظمة، تبدّل مواقفها حسب الظروف، ولا يمكنها طرح حل شامل لليمن، لكنها قادرة على فرض حرب أهلية شاملة. ومن هنا، فإن إشراكها في تسوية هو الحل الوحيد لمنع الحرب الأهلية".
واضاف "اليمن على حافة حرب أهلية وفوضى شاملة، ومن الضروري التفاوض بين جميع الأطراف للتوصل إلى تسوية فوراً. وأسس التسوية قائمة، اتفقت عليها الأطراف نفسها في مخرجات الحوار الوطني".