خلال السنوات التي سبقت اشتعال حروب صعدة 2009-2004، كانت إيران قد بدأت تستقطب الطلاب والشباب الذين انضموا للدورات والمحاضرات الطائفية، التي نظمها حسين الحوثي في صعدة، من خلال تقديمها لـ"منح دراسية" للدراسة في إيران، حيث يتم إرسال الشباب إلى الحوزات الشيعية، لدراسة المذهب الجعفري الاثني عشري المتطرف، والفكر الديني المرتبط بمبادئ الإمامة والولاية، ليتم إلحاقهم بعد ذلك بمعسكرات الحرس الثوري، ليحصلوا على التدريب العسكري والسياسي والإعلامي.
ابتعاث ومنح دراسية
من خلال المنح الدراسية التي قدمتها طهران عبر سفيرها في اليمن، والذي كان يقوم بزيارات متواصلة إلى محافظة صعدة، استطاع الحرس الثوري الإيراني مد جسور التواصل مع الجماعة الحوثية، وكثف جهوده في تدريب شباب وقيادات الجماعة، من خلال الدورات التدريبية التي نظمها لهم "فيلق القدس" الجناح العسكري للحرس الثوري، داخل معسكراته في إيران ولبنان وسوريا.
وإلى ما قبل اجتياح صنعاء 2014، كان أبرز القادة الحوثيين قد تمكنوا من السفر إلى العراق وسوريا ولبنان وإيران وتلقوا تدريبات على مختلف الأسلحة، وتنفيذ الاغتيالات وفض الاشتباكات المسلحة وزراعة الألغام، إضافة إلى تأهيل الفنيين والتقنيين والإعلاميين من كوادر الجماعة.
>> الحوثي وإيران.. ارتباط أيديولوجي عميق بدأ قبل أربعة عقود
وكشف تقرير رفعه عضو رابطة علماء الحوثيين زين العابدين المؤيد إلى زعيم المليشيا الإرهابية عبد الملك الحوثي، في أغسطس 2021، عن انتشار 12 مؤسسة إيرانية تعمل بغطاء إنساني لنشر الطائفية في اليمن، يديرها الإيراني محمد الموسوي، وتدين بالولاء المطلق للملالي في إيران، مؤكداً بأن النشاط بدأ يتوسع ويتغلغل داخل المجتمع اليمني بعد عودة المبتعثين إلى إيران ولبنان، الذين تلقوا التدريب والتأهيل على أيدي مبشرين إيرانيين.
صناعة وكيل
يؤكد المراقبون على أن إيران ما كان لأصابعها أن تتغلغل في اليمن، لولا وجود عوامل موضوعية تساعدها على ذلك، وأهمها ظهور الحركة الحوثية في صعدة، حيث مثلت الحركة العامل الأبرز في تمدد إيران وتوسعها في اليمن.
وقد سعت طهران بكل قوتها لتثبيت قدمها في اليمن كاستراتيجية مهمة، لزعزعة الأمن والاستقرار في دول الخليج العربي وتحديدًا المملكة العربية السعودية، ومنذ البداية كان الحرس الثوري الإيراني، مصمما على تأهيل جماعة الحوثي، لتصبح مليشيا مسلحة على غرار حزب الله في لبنان، واستخدام الحوثيين كوكيل لإيران لزعزعة توازن القوى، وتهديد أمن واستقرار المنطقة.
وأصبح بسط النفوذ الحوثي في اليمن بالنسبة لإيران أمرًا حيويًّا، مع انهيار الدولة منذ 2015، حيث عملت الذراع الإيرانية في اليمن على ترسيخ التواجد الإيراني، وتحولت مليشيا الحوثي، إلى وكيل إقليمي يعمل على حماية وتعزيز المصالح الإيرانية في المنطقة.
أوائل الخريجين
مع اشتعال حرب صعدة الأولى 2004، كانت العناصر الحوثية التي تدربت في إيران تشارك في المعارك إلى جانب حسين الحوثي، وكان من أبرزهم عبدالله الرزامي ويوسف المداني، اللذين شاركا في الحرب الأولى وقادا لاحقا الحرب الثانية والثالثة بعد مصرع حسين الحوثي، بينما كان عبدالملك قد فر بعد مقتل أخيه للاختباء لدى والده في جبال وكهوف مطرة الحصينة، قبل أن يعود ليقود الحرب الثالثة، بعد أن تمكن بدر الدين الحوثي -الأب الروحي للجماعة- من إقصاء المتنافسين على قيادة المليشيا المسلحة، وقدم ابنه عبدالملك كزعيم للحوثيين خلفا لأخيه الصريع، بناءً على رغبة إيرانية داعمة لعودة الإمامة.
ومع تولي عبدالملك الحوثي قيادة الجماعة الإرهابية نهاية 2005، بدأت تصل إلى محافظة صعدة عناصر من الحرس الثوري إيرانية - لبنانية، لمساعدة ذراع إيران في اليمن، بعد أن حسمت طهران أمرها بزيادة منسوب دعمها والاستثمار السخي في الحوثيين.
تطوير وتأهيل
منذ احتجاجات 2011، أخذت المليشيا تتوسع في شمال اليمن، معتمدة على الدعم المقدم من إيران، التي قدمت للحوثيين شحنات من الأسلحة، كما وفرت لهم التدريب والتأهيل، في مختلف المجالات العسكرية والسياسية والإعلامية والأمنية.
وبعد اجتياح الحوثيين للعاصمة صنعاء 2014، وسيطرتهم على مفاصل الدولة، شكلت المليشيا المسلحة ما يسمي "المجلس الجهادي"، وهو تنظيم سري يرأسه قائد المليشيا، ومن أبرز عناصر هذا المجلس جنرال من "فيلق القدس" يعتبر القائد العسكري العام، يطلق عليه "المعاون الجهادي"، ويتولى بمساندة مجموعة من خبراء الحرس الثوري، "الإشراف على تطوير القدرات النوعية واستقدام المدربين وتطوير هياكل البنية العسكرية للحوثيين وتنظيمها".
وبحسب الخبراء، فإن فيلق القدس يعد أكثر الوحدات نخبوية وسرية في الفروع العسكرية الإيرانية وأبرز فروع الحرس الثوري الإيراني، وساعد على مدار العقود الماضية في تسليح وتدريب حزب الله في لبنان، والميليشيات الشيعية في العراق وسوريا، والحوثيين في اليمن، وتمكن من صناعة "نفوذ خارجي" لإيران في المنطقة، معتمدا على مبدأ تصدير الثورة الإيرانية.
التلاميذ النجباء
بعد عودة قيادات الحوثي من إيران، بعد تلقيهم دورات طائفية وعسكرية إرهابية في معسكرات الحرس الثوري، عملت تلك القيادات على تنفيذ المشروع الإيراني في اليمن، كما عملت جنبا إلى جنب مع الخبراء الإيرانيين، ابتداءً من صنع وزراعة المفخخات والألغام لقتل اليمنيين، مروراً بالإشراف على جبهات القتال وقيادة المعارك وإرسال الأطفال والشباب إلى محارق الموت، وتهريب المخدرات والأسلحة الإيرانية، وانتهاءً بقتل المدنيين ومهاجمة الأعيان المدنية التي يعد قصفها من جرائم الحرب
نيوزيمن، محمد يحيى: