بالتوازي مع تهريب الأسلحة والمخدرات، شهدت اليمن تصاعداً مخيفاً لأنشطة تهريب السموم والأسمدة الكيميائية والمبيدات الزراعية المحظورة طيلة سنوات الحرب المستمرة منذ انقلاب مليشيا الحوثي المدعومة من إيران، واجتاحها للعاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014.
وكشفت وثائق ومعلومات صادرة من مناطق سلطة ميليشيات الحوثي المسلحة، عن تورط قيادات في الجماعة وفي حكومتها الانقلابية غير المعترف بها في تهريب وإدخال أنواع من المبيدات الزراعية المحرم استخدامها وهو ما تسبب في تداعيات خطيرة على صحة السكان وسلامة القطاع الزراعي.
وبحسب المصادر أفضى الصراع المتنامي بين المسؤول عن إصدار تراخيص تداول المبيدات الزراعية والوزير الانقلابي المسؤول عنه ومن خلفه من التجار والمهربين عن الإطاحة بالرجل من موقعه كمسؤول عن الإدارة العامة لوقاية النبات بعد أن أقدم على منع إدخال شحنات من المبيدات الزراعية المهربة، وهي من أكبر مصادر انتشار أمراض السرطان وتلوث الخضار وأغلب المنتجات الزراعية، فضلاً عن قيامه بإغلاق أكثر من 300 مكتب تجاري تعمل في هذا المجال.
ووفق ما ذكرته الوثائق التي نشرت مؤخراً، فإن مدير الإدارة العامة لوقاية النبات هلال الجشاري قدم استقالته من منصبه، وأعاد أسباب ذلك إلى أن الإجراءات التي اتخذها «أغاظت لوبي الفساد والتجار ومهربي المبيدات الزراعية» وأنهم بعد أن فشلوا في إعاقته أقدموا على استحداث إدارة عامة للمبيدات خلافاً لهيكل الوزارة، وقاموا بتعيين أحد المتعاقدين على رأسها خلافاً لقانون المبيدات الصادر في عام 1999.
وأوضح الجشاري أن هذه الإدارة المستحدثة يديرها مهربو المبيدات الزراعية المحرمة، حيث يقومون بتسجيل أنواع من المبيدات ومنح تراخيص إدخالها وتداولها بما تمثله من مخاطر على حياة الناس وانعكاساتها على الأراضي الزراعية وتربية النحل.
من جهته قال أحد الموظفين الخاضعين للجماعة الحوثية إن تجار تهريب المبيدات الممنوعة، أصبحوا يهيمنون على القرار في سلطات الانقلاب؛ ولهذا اضطر مدير إدارة وقاية النبات لتقديم استقالته بعد أن منع إدخال شحنات مهربة من المبيدات، موضحاً أن التجار الذين يهربون المبيدات معروفون، وهناك قائمة سوداء بأسمائهم، لكنهم في ظل السلطة الفاسدة ينتصرون دائماً، وفق تعبيره.
وأكدت المصادر أن المليشيا الحوثية أنشأت عشرات الشركات الخاصة لتجارة المبيدات، ومنحت العشرات من قياداتها امتيازات وتسهيلات مريحة لاستيراد السموم المحظورة والأسمدة ذات الطبيعة العسكرية والفاعلية المدمرة للأرض والإنسان.
ولم يذكر "الجشاري" في مذكرته أسماء التجار النافذين الذين يتحكّمون بوزارة الزرعة في صنعاء، إلا أن المصادر أكّدت ارتباط كبار تجار المبيدات الزراعية في اليمن بالحوثيين، فضلاً عن التجّار والشركات التي أنشأتها الجماعة مؤخراً لاحتكار هذه التجارة.
ويعد "دغسان" أحد أبرز التجّار الموالين لمليشيا الحوثي ويمتلك مجموعة تجارية كبيرة تضم عدّة شركات بأسماء أبنائه ومقربين منه وآخرين من صعدة ونشط في شتى المجالات، وتتهم بالنشاط في تهريب المشتقات النفطية والأسلحة والمخدرات والمبيدات الخطرة والمحرّمة دولياً.
كما تعد مؤسسة "بن دغسان للتجارة العامة والخدمات الزراعية" أكبر واجهة تجارية لاستيراد المبيدات والأسمدة المحظورة، وأنشئت عام 1990بمدينة صعدة برئاسة صالح أحمد دغسان، الذي قام بتوسيعها وإنشاء سلسلة فروع لها.
وأكّدت مصادر متعدد أن شركات "دغسان" هيمنت مؤخّراً على الأسواق اليمنية مستغلة علاقاته الوطيدة مع زعيم المليشيا الحوثية. ويليه، تاجر المبيدات "صالح عجلان" وهو أيضاً قيادي في مليشيا الحوثي وينحدر من صعدة، ومؤخّراً أصبح أكبر منافس لدغسان في استيراد المبيدات المحظورة على مستوى البلاد.
وتعد شركة عجلان الزراعية (فوريكس) الشركة الخاصة باستيراد وتهريب المبيدات المحظورة، وتعد وكيلاً حصرياً لعدّة أنواع من السموم والمبيدات الخطيرة والممنوعة. يشير مختصون إلى وجود أكثر من 700 نوع من المبيدات والأسمدة الكيميائية في الأسواق اليمنية، معظمها محظورة دولياً لطبيعتها التدميرية على الأراضي الزراعية، ولاحتوائها على مواد سامة تنساب إلى الخضراوات والفواكه وتسبب أمراضًا خطرة للمستهلكين.
وتقدر الإحصائيات الرسمية لعام 2013، الإستهلاك السنوي لليمن من المبيدات بشكل رسمي بين 3500-3000 طن. ويستهلك القات 75% من كمية المبيدات المتواجدة في السوق سواء الداخلة بصفة رسمية أو المهربة. وتفوق المبيدات المهربة 5 أضعاف الأصناف المرخصة. وتضم المبيدات المحظورة دولياً، والتي يتم تهريبها إلى اليمن مركبات هيدروكربونية مكلورة تظل سنوات عديدة في التربة، ويؤدي استخدامها في الخضروات والفاكهة إلى الفشل الكلوي وبعض أنواع السرطان، وفقاً لتقارير رسمية.
وفي مارس 2017، كشف البرلماني الموالي للحوثيين أحمد حاشد، تفاصيل تقرير يوثّق دخول 429 طنًا من الأسمدة والمبيدات الزراعية الخطيرة والمحظورة إلى اليمن خلال ثلاث سنوات من 2015- 2017. ومن ضمنها 251 طناً تابعة لمؤسسة دغسان، و115 طناً لشركة عجلان.
وأكد حاشد، أن تلك المبيدات الخطرة تدخل البلاد أمام سمع وبصر أجهزة الدولة (التي تسيطر عليها جماعة الحوثي) ويتم "الإفراج عن شاحنات المبيدات بمجرد دفع أو تحصيل الرسوم".