عمليتان استخباراتيان، إحداهما معقدة، والأخرى أتت بعد جهود مكثفة، المكان، الأراضي اليمنية، والنتيجة كانت واحدة، تحرير مختطف لدى تنظيم القاعدة في اليمن في كل منهما، لكن الفرق، أن أحدهما سعودي، والآخر إيراني.
أعلنت الداخلية السعودية يوم الثاني من مارس/ آذار الجاري، عن تحرير الدبلوماسي السعودي عبد الله محمد خليفة الخالدي، نائب القنصل السعودي المختطف منذ شهر مارس/ آذار 2012، وبينما لم توضح الوزارة في بيانها الطريقة التي تم من خلالها تحرير الدبلوماسي، نقلت كثير من الوكالات والمواقع الإخبارية أن ذلك تم عبر وساطات قبلية.
أما على الجانب الآخر، وفي الضفة المقابلة للخليج العربي، استقبلت طهران دبلوماسيها نور أحمد نيكبخت في مطار مهراباد بعد تحريره من أيدي تنظيم القاعدة، التي كانت تحتجزه منذ 21 يوليو/ تموز 2013 بحسب المصادر الإيرانية.
لم تعط السعودية أو إيران أي معلومات مفصلة حول الكيفية التي تمت بها عمليتا التحرير، ولا عن مكان وزمان حدوثهما، ما دفع بالكثيرين إلى القول إن ذلك تم عبر وساطات، أو عمليات تبادل أسرى، فيما استغرب كثيرون من التفاصيل التي أوردها خبر نفي الجهات الأمنية اليمنية لحدوث عملية أمنية على أراضيها من قبل عناصر إيرانية لتحرير المختطف، إذ وردت تفاصيل دقيقة من قبل مصدر ذلك الخبر حول عملية مقايضة تمت بين إيران والقاعدة، تمت عبر وسطاء، ودون تقديم "فدية مالية".
ومن المعروف أن تنظيم القاعدة قد سبق له نشر مقطع مصور يظهر الدبلوماسي السعودي وهو يطلب من السعودية القيام بإجراءات لتحريره، فيما لم يسبق أن نشرت شريطاً مماثلاً يوضح الأسير الإيراني، يطلب فيه من السلطات الإيرانية طلباً مماثلاً، ما أثار بعض علامات الاستفهام.
ولذلك، يرى بعض الخبراء أن توقيت العملية التي حرر بها الدبلوماسي الإيراني (بعد ثلاثة أيام من تحرير الدبلوماسي السعودي)، يأتي في إطار خطة لتضخيم الدور الإيراني في اليمن، وذلك لمواجهة السعودية، ومن ورائها دول الخليج، واستفزازها إعلامياً، عبر تصريحات متكررة، كانت أولى الحلقات في عقدها تصريح النائب في البرلمان الإيراني حول سيطرة طهران على العاصمة العربية الرابعة، التي جاءت بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء في الواحد والعشرين من سبتمبر/ أيلول الماضي.
بروباغاندا
ويتوافق مع هذا الطرح الباحث نبيل البكيري الذي يقول: إن "التهويل والتضخيم الإعلامي يعد مرتكزاً أساسياً في السياسة الإيرانية وأحد ميزاتها، ما يدفع إلى التساؤل حول صحة الرواية الإيرانية لتحرير دبلوماسيها، والتشكيك فيها بالنظر لهذه المسلمة المتعلقة بالبروباغاندا الإيرانية".
ويضيف البكيري في أثناء حديثه لـ"الخليج أونلاين": لو تمكنت إيران فعلاً من تنفيذ العملية، كان الإيرانيون سيقومون بتصويرها وبثها للناس كما هو معتاد، لذا لا يخرج هذا الموضوع عن كونه نوعاً من تسجيل الحضور".
ووصف البكيري الحضور الإيراني في المشهد اليمني بـ"المضخم"، ما اعتبره نتاجاً طبيعياً لحالة الفراغ السياسي الذي تمر به اليمن.
التصريحات الإيرانية المحرجة
إلى ذلك، أكد المحلل السياسي علي جاحز لـ"الخليج أونلاين"، أنه "لا توجد دلالة لتوقيت عملية تحرير الرهينة الإيراني، وإن حاولت الصحافة الإيرانية استغلالها، وأشار إلى اعتقاده بصحة رواية وزارة الداخلية اليمنية حولها، التي لم يصدر عليها نفي إيراني يؤكد وجود تدخل مباشر في اليمن".
وكان كثير من المحللين أشاروا إلى أن التصريحات الإيرانية تضع الحوثيين في موقف محرج، لكونها تكشف عن تعاون عسكري وأمني وثيق بين إيران وجماعة الحوثي، الأمر الذي تنفيه الجماعة، لكن أياً من خطابات عبد الملك الحوثي لم يشهد تنديداً بالتصريحات الإيرانية.
وحول ما إذا كان يجب على الأخير الإدلاء بتصريحات كهذه، يقول جاحز: "إن هذا شأن خاص بالسيد عبد الملك الحوثي، ويجب توجيه السؤال إليه شخصياً".
ونبه جاحز، الذي يعتقد أن إمكانات إيران أكبر من إمكانات السعودية، ونفى وجود أي رغبة إيرانية للسيطرة على القرار اليمني، نبه "طهران من أن أي محاولة منها للدخول في سباق نفوذ على اليمن سيواجه صداً وردعاً من قبل اليمنيين"، مستغرباً من "فرض السعودية الوصاية على اليمن بمنعها من إقامة علاقات تجارية موسعة مع طهران، وهي، أي السعودية ودول الخليج، لها علاقات اقتصادية وتجارية معها، الأمر الذي يجعلنا نعتقد بأنها تعتبر اليمنيين شعباً قاصراً لا يستطيع إدارة نفسه"، بحسب كلام جاحز.
خدش كبرياء القومية الفارسية
من جهته، شكك الباحث عدنان هاشم أساساً في الكيفية التي اختطف بها الدبلوماسي الإيراني، إذ لم يظهر، بعكس عبد الله الخالدي، بأي من أشرطة القاعدة، بل إن خبر اختطافه كان عبر مصادر قبلية وأمنية في عام 2013 بحسب هاشم.
وأوضح هاشم أن "طهران تريد منافسة السعودية حتى في أبسط الأمور، الخالدي اختطف في عام 2012، ونيكبخت اختطف عام 2013، وتحرير الأخير جاء بعد ثلاثة أيام فقط من تحرير الخالدي".
ويرجح أن "الحديث عن عملية إيرانية في اليمن يأتي في سياق تخويف الخليجيين، بأن القوات الإيرانية متأهبة فيما إذا تحرك الخليج في اليمن، خاصة وأن تقرير لجنة عقوبات مجلس الأمن أشار لتواجد الحرس الثوري الإيراني منذ عام 2011".
وشبه هاشم انتقال الرئيس هادي لعدن بالصفعة التي وجهت لطهران، التي اعتقدت أنها أحكمت السيطرة على باب المندب وأصبحت تهدد أمن الخليج"، ورأى أن "التهديدات الإيرانية ازدادت ضراوة بعد خدش كبرياء القومية الفارسية بانتقال سفارات الخليج إلى عدن".
وختم هاشم حديثه قائلاً: "إن دول الخليج تحتاج لمحور سني بالتعاون مع تركيا، بعيداً عن التكتيكات قصيرة المدى، وهذه الاستراتيجية السعودية هي ما سيوقف الهيمنة الإيرانية باعتبارها العدو الأول الذي يهدد الشرق الأوسط".
/الخليج اونلاين/